site meter

search

Google

result

Wednesday, November 26, 2008

مؤتمر الأديان في نيويورك

زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
لقد قيل الكثير عن مؤتمر الأديان الأخير الذي عقد في نيويورك وهو المؤتمر الثاني في هذا العام بعد مؤتمر مدريد الذي أقيم في شهر يوليو الماضي بمشاركة أديان سماوية وأرضية ، وأظن أن ما قيل عن المؤتمر فيه الكفاية وسأكتفي في مقالي هذا اليوم بنقل رأي الشيخ سيد قطب رحمه الله وهو يفسر الآيتين 100 و 101 من سورة آل عمران وهما : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (101) وكذلك الآيتان 194 و 150 من السورة نفسها وهما :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ } (150) ، وهو في تفسيره لهاتين الآيتين يركز على طاعة الذين كفروا وعاقبة ذلك على المؤمنين ، وكلمة { إن تطيعوا الذين كفروا } كلمة عامة تشمل كل طاعة وبالتالي تؤدي إلى أن ندعو الله وهو مولانا وخير الناصرين ونركن إلى هؤلاء ، نخشى أن تصيبنا دائرة ظانين أن بيدهم كل شيء ناسين أنهم العدو ، وما فعلوه بالمسلمين لا يخفى على أحد ولا يحتاج إلى إيضاح
2
(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين . وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ? ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم). إن طاعة أهل الكتاب والتلقي عنهم واقتباس مناهجهم وأوضاعهم , تحمل ابتداء معنى الهزيمة الداخلية والتخلي عن دور القيادة الذي من أجله أنشئت الأمة المسلمة ، كما تحمل معنى الشك في كفاية منهج الله لقيادة الحياة وتنظيمها والسير بها صعدا في طريق النماء والارتقاء وهذا بذاته دبيب الكفر في النفس وهي لا تشعر به ولا ترى خطره القريب ، هذا من جانب المسلمين فأما من الجانب الآخر فأهل الكتاب لا يحرصون على شيء حرصهم على إضلال هذه الأمة عن عقيدتها ، فهذه العقيدة هي صخرة النجاة وخط الدفاع ومصدر القوة الدافعة للأمة المسلمة .
وأعداؤه يعرفون هذا جيدا قديما حديثا ويبذلون في سبيل تحويل هذه الأمة عن عقيدتها كل ما في وسعهم من مكر وحيلة ومن قوة كذلك وعدة ، وحين يعجزهم أن يحاربوا هذه العقيدة ظاهرين يدسون لها ماكرين وحين يعييهم أن يحاربوها بأنفسهم وحدهم يجندون من المنافقين المتظاهرين بالإسلام أو ممن ينتسبون - زورا - للإسلام , جنودا مجندة , لتنخر لهم في جسم هذه العقيدة من داخل الدار ولتصد الناس عنها ولتزين لهم مناهج غير منهجها وأوضاعا غير أوضاعها وقيادة غير قيادتها قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى - عليه السلام - ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ، إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين ) وفي بعض الأحاديث كما يشير الشيخ سيد قطب ( لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي ).فأما نحن الذين نزعم أننا مسلمون - والكلام لسيد قطب - فأرانا نتلقى في صميم فهمنا لقرآننا وحديث نبينا صلى الله عليه عن المستشرقين وتلامذة المستشرقين ! وأرانا نتلقى فلسفتنا وتصوراتنا للوجود والحياة من هؤلاء وهؤلاء , ومن الفلاسفة والمفكرين: الإغريق والرومان والأوروبيين والأمريكان ثم نزعم - والله - أننا مسلمون ! وهو زعم إثمه أثقل من إثم الكفر الصريح ، فنحن بهذا نشهد على الإسلام بالفشل والمسخ ، حيث لا يشهد عليه هذه الشهادة الآثمة من لا يزعمون - مثلنا - أنهم مسلمون !.
3
يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين . بل الله مولاكم وهو خير الناصرين) يقول الشيخ سيد قطب رحمه الله : لقد انتهز الكفار والمنافقون واليهود في المدينة ما أصاب المسلمين من الهزيمة والقتل والقرح في معركة أحد , ليثبطوا عزائمهم ويخوفوهم عاقبة السير مع محمد صلى الله عليه وسلم ويصوروا لهم مخاوف القتال وعواقب الاشتباك مع مشركي قريش وحلفائهم ، وجو الهزيمة هو أصلح الأجواء لبلبلة القلوب وخلخلة الصفوف وإشاعة عدم الثقة في القيادة والتشكيك في جدوى الإصرار على المعركة مع الأقوياء وتزيين الانسحاب منها ومسالمة المنتصرين فيها ! مع إثارة المواجع الشخصية والآلام الفردية وتحويلها كلها لهدم كيان الجماعة ثم لهدم كيان العقيدة ثم للاستسلام للأقوياء الغالبين !.ومن ثم يحذر الله الذين آمنوا أن يطيعوا الذين كفروا فطاعة الذين كفروا عاقبتها الخسارة المؤكدة ، فيها الانقلاب على الأعقاب إلى الكفر، فالمؤمن إما أن يمضي في طريقه يجاهد الكفر والكفار ويكافح الباطل والمبطلين وإما أن يرتد على عقبيه كافرا - والعياذ بالله - ومحال أن يقف سلبيا بين بين محافظا على موقفه ومحتفظا بدينه ، إنه قد يخيل في أعقاب الهزيمة وتحت وطأة الجرح والقرح , أنه مستطيع أن ينسحب من المعركة مع الأقوياء الغالبين وأن يسالمهم ويطيعهم وهو مع هذا محتفظ بدينه وعقيدته وإيمانه وكيانه !.وهو وهم كبير فالذي لا يتحرك إلى الأمام في هذا المجال لا بد أن يرتد إلى الوراء والذي لا يكافح الكفر والشر والضلال والباطل والطغيان لا بد أن يتخاذل ويتقهقر ويرتد على عقبيه إلى الكفر والشرك والضلال والباطل والطغيان ! والذي لا تعصمه عقيدته ولا يعصمه إيمانه من طاعة الكافرين والاستماع إليهم والثقة بهم يتنازل - في الحقيقة - عن عقيدته وإيمانه منذ اللحظة الأولى ، إنها الهزيمة الروحية أن يركن صاحب العقيدة إلى أعداء عقيدته وأن يستمع إلى وسوستهم وأن يطيع توجيهاتهم فلا عاصم له من الهزيمة في النهاية والارتداد على عقبيه إلى الكفر ومن كان الله مولاه فما حاجته بولاية أحد من خلقه ? ومن كان الله ناصره فما حاجته بنصرة أحد من العبيد ؟!.
4
إن كلمة وحدة الأديان ومؤتمرات الأديان ليست إلا كذبة وخدعة ، والقصد العام منها هو تذويب الإسلام وجعله دينا ضعيفا مشوها بعيدا عن حقيقته ، وما شاهده المتابعون لمؤتمر نيويورك الأخير يعلم حقيقة ما جرى في ذلك المؤتمر الذي تحول إلى ظاهرة إسرائيلية بامتياز حيث كان الرئيس الإسرائيلي نجما للحدث وهو الذي تجرأ وتحدث علنا أن العالم العربي منقسم بين مذاهب من سنة وشيعة ، وقال ( إننا بنينا جيشا قويا وبفضل هذا الجيش اختار العرب التوجه إلى السلام ) ، وكذلك كانت رئيسة وزراء إسرائيل المقبلة تسيبي ليفني نجمة هي الأخرى ، والتي لم تحترم حتى مشاعر الذين دعوا إلى المؤتمر ومولوه عندما دعت إلى تغييرات في المساجد ودور العبادة وطالبت بالعمل على تغيير الخطاب الإسلامي المتطرف ، بل وصلت بها الوقاحة أن تقول ( إن نتائج هذا المؤتمر مهمة لمنطقتنا وهي بداية لصراع مشترك ضد المتطرفين قبل فوات الأوان ، وإن الطريق إلى النجاح تقضي بمواصلة العمل مع المعتدلين وقياداتهم ).إن مؤتمرات كهذه تطرح تساؤلات فما الداعي لعقد مؤتمرين في عام واحد لتقريب الأديان والفلسطينيون يعيشون مأساة إنسانية ولا يجدون من يهتم بهم ؟ وما هو هدف حضور سياسيين لا يفقهون في أمور الدين شيئا لمثل هذه المؤتمرات ؟ وما هو خطاب الحقد الذي أشار إليه شمعون بيريز ؟ ثم من الذي يحمل الحقد ومن هم المتطرفون الذين أشارت إليهم تسيبي ليفني ؟ إن دماء المسلمين الأبرياء تنادي في كل من العراق وباكستان وأفغانستان ولبنان وفلسطين والصومال فهل أفادهم هذا المؤتمر في شيء ؟ وهل فكر أحد من المؤتمرين في وضع حد لإراقة دماء هؤلاء الأبرياء ؟ لكن الذي حصل هو أن بيريز وليفني تكلما وكأن بني صهيون هم الضحايا والمتطرفين الإسلاميين هم الجلادون .
إن مؤتمرات مشبوهة كهذه ليست إلا غطاء لإعطاء الشرعية للأمريكيين والصهاينة أن يفعلوا في المسلمين ما يشاؤون وهو ما كان يحذر منه من سنوات الراحل سيد قطب رحمه الله ، ثم يأتي البعض ويتهم سيد قطب بالتطرف وبأنه يحمل فكر الخوارج وأنه منظّر للفكر الجهادي والتكفيري ، ولا أدري ماذا كان سيقول سيد قطب لو عاش وشاهد مؤتمرا كهذا الذي يجتمع فيه القادة العرب مع أعدائهم ليتفقوا على محاربة عدو وهمي اسمه التطرف الإسلامي ، أو ماذا كان يمكن لسيد قطب أن يضيفه في ظلال القرآن الكريم أو في كتابه معالم في الطريق ؟! ثم إن السؤال الأهم هو ما معنى التطبيع ؟ هل التطبيع هو فقط عندما تتم المصافحة علنا ، وهل الذي تم في نيويورك ليس تطبيعا ؟!.إن المؤشرات الآن تشير إلى انتشار فكر سيد قطب بين الشباب إن كان ذلك عاجلا أو آجلا خاصة بعد أن أصبح هذا الفكر متاحا للكل بوجود جميع كتبه في شبكة الانترنيت ، وسبب انتشار هذا الفكر أن شباب الأمة يبحثون عن الكرامة المفقودة في وقت تستمر فيه المذابح ضد المسلمين في كل وقت ومكان .لذا فإن زيف شعارات وحدة الأديان والتسامح ومؤتمرات التقريب لن تنطلي على أحد طالما أنها مجرد واجهة براقة ضد الإسلام والمسلمين حتى وإن أراد من يعتقد أنهم قادة الأمة أن يعطي الشرعية للإسرائيليين بالاعتراف بهم ، بل إن مردود هذه المؤتمرات سيكون عكسيا ، بعد أن شاهد العرب قادتهم وأعداءهم يمكرون ضد الإسلام ، والله خير الماكرين.
منشورة في جريدة الشبيبة العمانية في 25 نوفمبر 2008م

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة