site meter

search

Google

result

Wednesday, November 19, 2008

خطاب سامي ومرحلة جديدة من البناء

زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
تستقبل السلطنة اليوم عاما جديدا من أعوام نهضتها ، وفي الأفق تلوح مرحلة جديدة من مراحل البناء ظهرت معالمها في النطق السامي لجلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه في خطابه السامي الأسبوع الماضي ، حيث أعلن في كلمات مضيئات بدء مرحلة جديدة من مراحل بناء الوطن عندما أشار إلى أن الأداء الحكومي الجيد في مختلف القطاعات وخدمة الوطن والمواطنين بكل أمانة وإخلاص ووضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار من الأركان الضرورية لكل تنمية يراد لها الدوام والاستمرار.> وقد استقبل المواطنون العمانيون هذا التوجه بالترحيب الكبير إذ عبروا عن ذلك في منتديات الحوار على شبكة المعلومات والتي أصبحت المقياس الآن للرأي العام ولا غنى عنها لمعرفة توجهات الناس.
إن التطور الكبير الحاصل الآن في العالم مع هذه القفزة الهائلة في وسائل الاتصالات ومع التوجه لإقامة الحكومة الالكترونية ، فإن مسألة تبسيط الإجراءات والتسهيل للمواطنين أصبحت من الضروريات ، وهذا ما أكده جلالته عندما قال :( إننا نؤكد على ضرورة مراجعة الجهاز الإداري للدولة لسياساته وأنظمته بما يضمن اتباع أفضل الأساليب وأنجع الوسائل التي تؤدي إلى تسهيل الإجراءات وتيسير المعاملات وسرعة اتخاذ القرارات الكفيلة بتحقيق مصالح المواطنين وغيرهم من المقيمين الذين يسهمون في خدمة عمان والمساعدة على بنائها ).
2
وإذا كان جلالة السلطان المعظم قد أعطى تعليماته للجهاز الإداري للدولة منذ عام 1977 بضرورة الاهتمام بمصالح المواطنين ، عندما اجتمع بكبار الموظفين في الدولة من الوزراء والوكلاء والمديرين العامين في صلالة وقال لهم ( إن الوظيفة تكليف ومسؤولية قبل أن تكون تشريفا ) ، فإن جلالته في خطابه الأسبوع الماضي قد جدد تلك السياسة عندما أعطى تعليماته في قوة وحزم بضرورة المحافظة على الأمانة في أداء الواجب الوطني بعيدا عن الاهتمام بالمنافع الشخصية.
عندما ركز على مدى المسؤولية الجسيمة المنوطة بالموظفين الذين يديرون عجلة العمل في مختلف القطاعات الحكومية لأنهم إن أدوا واجباتهم بأمانة وبروح من المسؤولية بعيدا عن المصالح الشخصية سعدوا وسعدت البلاد ، أما إذا انحرفوا عن النهج القويم واعتبروا الوظيفة فرصة لتحقيق المكاسب الذاتية وسلما للنفوذ والسلطة وتقاعسوا عن أداء الخدمة كما يجب وبكل إخلاص وأمانة فإنهم يكونون بذلك قد وقعوا في المحظور ولابد عندئذ من محاسبتهم واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لردعهم وفقا لمبادىء العدل والتي تقتضي عدم السماح لأي كان بالتطاول على النظام والقانون أو التأثير بشكل غير مشروع على منافع الناس التي كفلتها الدولة ومصالح المجتمع التي ضمنها الشرع وأيدتها الأنظمة والقوانين.
ومن النقاط البارزة في ذلك قول جلالته حفظه الله ( إننا نؤكد على أن تطبيق العدالة أمر لا مناص منه ولا محيد عنه وإن أجهزتنا الرقابية ساهرة على أداء مهامها والقيام بمسؤولياتها بما يحفظ مقدرات الوطن ويصون منجزاته ).
3
عندما يتكلم جلالة السلطان المعظم ويعطي تعليماته لحكومته وللعاملين فيها علنا ، فإن ذلك يعتبر خطة عمل لمرحلة مقبلة ، يجب أن تترجم إلى واقع عملي فورا لحظة الانتهاء من إلقاء الخطاب – كل حسب موقعه - ، يتشارك الجميع في تنفيذها ، المسؤولون والمواطنون والأجهزة كافة باعتبار أن الوطن يتكون من الجناحين الحكومة والمواطنين.
وبما أن الكلمات المضيئة حول محاربة الفساد ومحاربة من يستغل الأمانة الموكولة إليه لتحقيق مآرب شخصية من النقاط البارزة في الخطاب السامي والتي عزفت على الوتر الحساس في قلوب المواطنين – حسب الرأي العام المنشور في المنتديات الحوارية - فإن المطلوب من الحكومة أن تبدأ في تنفيذ ذلك باتباع سياسة الشفافية ، ولن يتم ذلك إلا بإعطاء وسائل الإعلام الحرية في أن تقوم بدورها الحقيقي للرقي بالمجتمع والانفتاح المدروس ومسايرة تطور العالم في مجال الحريات.
ولا أقصد بذلك طبعا التشهير أو الإساءة ، وإنما أقصد بذلك أن تساير هذه الوسائل ذلك الفكر المستنير لجلالته الذي أعلن من قبل من خلال صرح علمي آخر ( إن مصادرة الفكر من أكبر الكبائر ، وإنه لن نسمح بمصادرة الفكر أبدا ) ، ويتطلب ذلك أيضا من المسؤولين أن يفتحوا صدورهم للنقد البناء لا أن يضيقوا به ، لأن في ذلك صلاح الوطن والمواطنين ، وفي هذا المقام يمكن أن نتساءل هل فعلا استجاب المسؤولون في أجهزة الدولة المختلفة خلال السنوات الماضية لشعار ( لن نسمح بمصادرة الفكر أبدا ) ، وهل فعلا ارتقى المسؤولون إلى مستوى فكر جلالته بحيث لم تتم تجاوزات في تطبيقه ؟
إن الشفافية المطلوبة هي جعل المواطن يتابع أمور الدولة بكل يسر وسهولة ، لأن وجود منتديات الحوار في الفضاء المفتوح جعل من الناس يتركون الإعلام الرسمي والصحف والمجلات ويتجهون إلى نشر الأخبار والتخاطب عن طريق تلك المنتديات مما أدى إلى اختلاط الحابل بالنابل وبالتالي إلى وجود خلل في المصداقية.
والواقع والحقيقة يقولان لا توجد تجربة إنسانية على مر التاريخ بدون أخطاء أبدا ، ومن يزعم حصول ذلك فهو مخطيء ، ومن هنا لا بأس أن تراجع المؤسسات الرسمية تجربتها في السنوات المنصرمة وتقيمها و تصحح الأخطاء وتعيد البناء من جديد مع بدء مرحلة جديدة من مراحل التطور والنمو.
بعد النطق السامي يجب على المسؤولين أن يشكلوا اللجان وعلى الوزارات أن تستعد لتحويل تلك الملامح إلى واقع حي ولا مجال للتأخير أبدا لأن القطار لن ينتظر المتأخرين ، فشعار ( إن الإنسان هو هدف التنمية ووسيلتها ) يجب أن يرى النور ويعاش واقعا في الأرض ، ولا يخفى على أي متابع أن جلالته حفظه الله يركز كثيرا في السنوات الأخيرة في خطبه ولقاءاته مع المواطنين في البرلمانات المفتوحة على ضرورة تنمية الكوادر البشرية .
ومصطلح تنمية البشر لا يعني فقط التدريب في مجال العمل - كما يمكن أن يتصور البعض - ، بل إن مفهوم التنمية أكبر من ذلك بكثير فهو يشمل الصحة والتعليم والتدريب والتأهيل في الفكر والجسم ويشمل أيضا توفير المسكن والمأكل والملبس ويشمل توفير كل المتطلبات وكل ما يؤدي إلى الحياة الكريمة للإنسان وكل ما يؤدي إلى تنميته
ويجب على هذه اللجان أن تسعى لمعرفة ما هي الأسباب التي تؤدي بالعاملين في المؤسسات الرسمية والخاصة إلى عدم الرضا وإلى التذمر مما أعطى خللا في الإنتاج ، يجب على هذه المؤسسات أن تسمع لوجهات نظر العاملين بها ، لا أن تتعامل معهم كأنه مجرد آلة تدور وعليها أن تنتج فقط.
ولا يوجد الآن أي عذر لأي مسؤول كان في تأخير تنفيذ أوامر جلالته في الاهتمام بالكوادر البشرية بل نتمنى أن نرى التسابق بين الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية وغيرها في سرعة تنفيذ هذه الأوامر حتى يشعر بها الجميع بعد أن تتحول من شعار إلى عمل.
4
ونحن نبدأ اليوم عاما جديدا من أعوام النهضة المباركة ، ومرحلة جديدة من مراحل البناء قد ظهرت ملامحها أؤكد على ما قلته في مقال سابق في هذه الجريدة"الشبيبة" تحت عنوان ( رحم الله أيام الاستعمار ) إن على المسؤولين أن يكونوا قدوة في كل شيء .لأن الناس يتقبلون عندما يثقون أن الذين يدعونهم إلى شيء هم أول من يطبقونه ، وعندما يحس المواطن أن القيادة تمثله ويؤمن بإخلاصها وقدرتها وحكمتها فإنه يتفاعل مع قراراتها حين تصدر ولا يعتبرها مجرد شعارات ترفع أو أوامر مفروضة من فوق .إن طبقها يطبقها خوفا وليس حبا أو تقديرا أو ولاء وبالتأكيد فإن هناك فرقا كبيرا بين الخوف والحب.
منشور في جريدة الشبيبة في 18 نوفمبر 2008م الموافق 21 ذو القعدة

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة