site meter

search

Google

result

Wednesday, January 6, 2010

هدم المسجد الأقصى المبارك


زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني

" 1 "


توقعت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية عدد الأربعاء 9/12/2009 بأن تقدم جماعات يهودية على هدم المسجد الأقصى المبارك في شهر مارس المقبل لإقامة الهيكل المزعوم مكانه ، وذكرت الصحيفة - في تقرير لها - أن هناك نبوءة تعود لأحد حاخامات القرن الـ 18 والمعروف باسم " جاؤون فيلنا " حدد فيها موعد بداية بناء الهيكل بيوم الـ 16 مارس من عام 2010 ، موضحة أن النبوءة تضمنت إشارات إلى أن اليهود سيشرعون في بناء الهيكل مع تدشين معبد ( حوربا ) الكائن بالحي اليهودي بالقدس ، وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومة الإسرائيلية ستنتهي بالفعل في الخامس عشر من مارس القادم من إعادة تشييد المعبد الذي يُعد أحد أهم دور العبادة اليهودية في القدس وتم تدميره خلال حرب عام 1948 ، وأشارت الصحيفة إلى أن معبد حوربا ـ الخراب بالعبرية ـ تم بناؤه في أوائل القرن الـ18 على يد تلاميذ الحاخام يهوذا هحاسيد ـ أحد كبار الحاخامات اليهود في هذا القرن ـ مضيفة أنه تم تدميره بعد ذلك بوقت قصير من قبل المسلمين ثم أعيد بناؤه في منتصف القرن الـ 19 ليكون من أكبر المعابد وقتها ثم تم تدميره مرة أخرى في عام 1948 من قبل أحد فيالق الجيش الأردني موضحة أنه منذ عام 2001 قررت الحكومة الإسرائيلية فجأة إعادة تشييد المعبد .


وجاء تقرير هآرتس في الوقت الذي تتواصل فيه محاولات المستوطنين المستمرة لاقتحام المسجد الأقصى ووضع صورة مجسمة لهيكل سليمان المزعوم وبالتزامن مع تزايد عدد الجماعات اليهودية الساعية لبناء الهيكل وهدم المسجد الأقصى والمعروفة باسم أمناء الهيكل .

" 2 "

لقد مر تقرير صحيفة هآرتس مرور الكرام ولم يلق ما يستحقه من اهتمام العرب والمسلمين لأنهم كانوا مشغولين بما هو أهم من المسجد الأقصى ومن الأمن القومي لأن القضية الأولى على الساحة العربية كانت أحداث مباراة كرة القدم بين منتخبي مصر والجزائر والتراشق الإعلامي بين الدولتين على خلفية مباراة أصبحت تسمى الآن موقعة 14 نوفمبر مما أعطى المخططين الإسرائيليين الفرصة لإعلان تلك النبوءة المزعومة في هذا الوقت بالذات وهو وقت مدروس بعناية .

إن ذلك التقرير يطرح أسئلة مهمة فهل من الممكن فعلا أن تقوم إسرائيل بهدم المسجد الأقصى؟ وماذا يمكن أن يحدث إذا هُدم الأقصى بالفعل وما هي ردود الفعل العربية ؟ وربما نسأل سؤالا آخر لماذا تأخرت إسرائيل عن تدمير المسجد وهو تحت سيطرتها منذ عام 1967 ؟ وللإجابة على هذا السؤال نحيل القارئ إلى الوثائق الإسرائيلية التي سمحت إسرائيل بنشرها عن حرب 67 والتي ترجمها ونشر أجزاء كبيرة منها الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه ( عام من الأزمات ) حيث قام موشي ديان وزير الحرب الإسرائيلي بإخطار رئيس وزرائه صباح 6 يونيو أنه أمر بمحاصرة القدس لأنه لا يريد قتالا حول المدينة المقدسة يطول أيا من معالمها ويثير ثائرة العالم الإسلامي والعالم المسيحي .

وفي الصباح الباكر من يوم 7 يونيو أصدر الجنرال موشي ديان أمره إلى القوات الإسرائيلية أن تنتقل إلى داخل القدس ، ولم يكن أمره قتالا وإنما كان نص أمره : انتقالا ، وقد صدر الأمر الساعة السابعة وقبل الساعة العاشرة أي بعد أقل من 3 ساعات فقط كانت القوات الإسرائيلية قد انتقلت وسيطرت على المدينة المقدسة بكاملها ، وكان الجنرال موشي ديان على موعد لدخولها ومعه الجنرال إسحاق رابين رئيس الأركان والجنرال أوزي ناركيس قائد المنطقة الوسطى ، ووقف ديان أمام حائط البراق وفاجأ الجميع حسب إخطاره لرئيس وزرائه ( بأن جيش الدفاع الإسرائيلي أتم هذه اللحظة تحرير القدس موطن المقدسات اليهودية وأعاد توحيدها عاصمة لإسرائيل غير قابلة للتقسيم مرة أخرى )

وفي الوثائق الإسرائيلية رواية بالغة الدلالة بلسان الجنرال أوزي ناركيس حكى فيها أنه بعد نصف ساعة تقريبا من وقوف ديان ورابين وهو شخصيا أمام حائط البراق هرع إلى الموقع كبير حاخامات الجيش الإسرائيلي الجنرال شلومو جورين وقال همسا ( أليست هذه هي اللحظة الملائمة لوضع مائة كيلو جرام من المفرقعات في مسجد عمر وقبة الصخرة حتى تتوقف دعاوى المسلمين بوجود حق ديني أو تاريخي لهم في القدس ؟ ) فرد عليه الجنرال ناركيس إن ذلك أمر لا داعي له وسوف يثير علينا المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا التي لها صداقات تحرص عليها في المنطقة ونحن أيضا لنا أصدقاء في العالم الإسلامي : تركيا وإيران بالذات وأندونيسيا وباكستان وغيرهم كثيرون ، ولكن كبير الحاخامات أصر على مواصلة دعوته قائلا : الجنرال ناركيس هذه فرصتك لدخول التاريخ وأنت تضيّعها ؟ فرد ناركيس : ( إني سجلت اسمي في كتب التاريخ بدخول القدس وانتهى الأمر )

من الوثائق الإسرائيلية تلك يظهر أن إسرائيل في ذلك الوقت كانت تتحسب نوعا مّا لرد فعل المجتمع الدولي رغم أنها حققت انتصارا كبيرا على العرب في تلك الحرب باحتلالها القدس وسيناء والجولان وبقضائها على 80 % من قوة الطيران الحربي المصري ، وكان الشارع العربي فيه بعض من الرمق وتربى على الوطنية وعلى الغيرة على المقدسات وهذا بدوره كان يشكل عامل ضغط حتى على أمريكا ، ولكن هل هناك ما يمنع إسرائيل الآن من هدم المسجد الأقصى وقد أصبحت هي التي تشكل المجتمع الدولي وأصبح العرب الآن في أضعف حالاتهم ؟

" 3 "

لقد أصبح الآن هدم المسجد الأقصى أسهل ما يكون لأن إسرائيل اعتمدت خطة طويلة المدى بدأت بتمييع فكر الشباب العربي بوجود قنوات عربية الاسم صهيونية المضمون وليس انتهاء بإلغاء مادة التربية الإسلامية من مناهج التدريس وتحويلها إلى مجرد ثقافة إسلامية وبتقليص حصص الدين وعدم جعلها مادة أساسية ، وقد يتبادر إلى الذهن سؤال وهو ما دخل إسرائيل في ذلك ؟ وهو سؤال جيد لكنه ينتفي إذا عرفنا أن الدول العربية أصبحت تنفذ فقط ما يملى عليها من الخارج خاصة في السياسات العامة ولا تملك من الأمر شيئا

لقد اعتمد القادة الصهاينة خطة طويلة الأمد لهدم المسجد الأقصى بدأت من عام 1967 إذ أنهم يسربون يوما بعد يوم أخبارا متقطعة عن وجود الأنفاق حول المسجد وينشرون نبوءات كاذبة حول قرب موعد بناء هيكل سليمان المزعوم ، ومن ذلك ما نشرته صحيفة هآرتس عن قرب هدم المسجد الأقصى في شهر مارس المقبل إذ مر ذلك التقرير مرور الكرام دون أي استهجان من أي أحد ، في وقت كان التقرير بالون اختبار فقط لرد الفعل العربي والإسلامي والدولي ، وهم بذلك يهدفون إلى تعويد المسلمين على مسألة هدم الأقصى وكأنها حقيقة واقعة ، فإذا حدث الهدم الحقيقي للأقصى – وهو يبدو أنه سيحدث - لن يثير غير مظاهرات هنا وهناك يحمل فيها المتظاهرون وربما الغوغاء صور الرئيس جمال عبد الناصر وحسن نصر الله والقليل سيحمل صور صدام حسين وياسر عرفات ، وهم يرددون هتافات ( خيبر خيبر يا يهود ، جيش محمد سوف يعود ) وسوف تعقد قمة عربية طارئة بعد مجاذبات طويلة يغيب عنها معظم الرؤساء العرب كما حدث مع قمة غزة وسيكون رؤساء جيبوتي والصومال وجزر القمر المتحدثين الرئيسيين فيها فيما سيلقي الرئيس بشار الأسد كلمة عصماء طويلة وسيعيد الزعيم القذافي التأكيد على أهمية إنشاء دولة ( إسراطين ) ، وستتبنى قناة الجزيرة القمة فيما قناة العربية ستتبنى مواقف الدول التي تغيبت عنها وستقدم فتاوى لعلماء السلطة التي تعتبر المظاهرات والمناداة بالجهاد تنطع في الدين وأن الجهاد لا بد أن يكون بأمر من ولي الأمر ، ثم كل شيء سيهدأ ويذبل وينشغل الناس بمخدر جديد قد يكون مهرجانا أو مباراة في كرة القدم أو مرض انفلونزا الطيور أوالخنازير أو الأغنام وما شابه ذلك .

وتتخذ إسرائيل هذه الأيام خطوات عملية في سبيل الوصول إلى هدفها حيث رفعت سلطات الاحتلال خلال الأيام الماضية العشرات من الأعلام الإسرائيلية ونصبت الشمعدان اليهودي على أسوار المسجد الأقصى في خطوة اعتبرها الجانب الإسرائيلي إمعانا في تهويد المدينة ، ويأتي ذلك بالتزامن مع قرار حكومة الاحتلال تسريع عمليات هدم ما يزيد عن 7 الآف منزل فلسطيني في القدس .

والسؤال المطروح من جديد هل يمكن أن يهدم المسجد الأقصى ؟ للأسف نعم يمكن جدا لأنه لا رادع لإسرائيل أبدا ونحن قد ارتضينا وهمًا اسمه السلام الاستراتيجي وسلام الشجعان وهي شعارات جوفاء لا تتحقق في الواقع وإنما يتم ترديدها لتخدير الناس ، والناس تعرف أنها كذبة كبرى لا ترقى إلى مستوى الصدق ، لذا فإن العرب مطالبون برد قوي حتى تتوقف مخططات اليهود لأن قضية الأقصى قضية عربية إسلامية وليست فلسطينية فقط رغم أن الفلسطينيين دفعوا النصيب الأكبر في الدفاع عن المقدسات الإسلامية من أرواحهم وأموالهم

" 4 "

تستطيع إسرائيل أن تهدم المسجد الأقصى بكل يسر وسهولة ولا يستطيع أحد أن يردها - رغم أن هناك من سيبرر للعجز بقوله إن للبيت ربا يحميه – ولكن ما هي نتائج ذلك ؟ إن نتائج ذلك على المدى البعيد ستكون كارثة على الأمة العربية والإسلامية إذ أن العجز العربي عن الرد سينشئ جيلا ناقما على الحكومات وربما سيؤدي بالشباب إلى تبني أفكار متطرفة لا تؤمن إلا بالعنف والسلاح لغة للتخاطب وستجد أفكار الشيخ سيد قطب رحمه الله وأفكار أسامة بن لادن وأيمن الظواهري طريقها إلى العقول قبل القلوب لأن العنف لا يكون دائما إلا رد فعل للعجز ، والدين دائما هو المرجع الأخير الذي يلجأ إليه الناس وقت أزماتهم فإذا ضاقت عليهم الأرض فإنهم يتجهون إلى السماء وبذلك تكون الحكومات العربية بوعي منها أو بجهل قد ساهمت في تكوين فكر التطرف كما حصل مع قصة المجاهدين الأفغان الذين وصفهم الأستاذ فهمي هويدي بأنهم جند الله في المعركة الغلط.

منشورة في جريدة الشبيبة العمانية

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة