site meter

search

Google

result

Thursday, February 25, 2010

الجهاد وُجد دون قتال كما وجد مع القتال

زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني

لم أكن أستسيغ أي شيء يتعلق بالأستاذ جمال البنا لأنه في نظري مفتي من طراز خاص بما أثاره ويثيره دائما من الجدل حول العديد من القضايا التي تعتبر من المسلمات وهي القضايا التي أجمع عليها العلماء والأئمة الكبار
 
ولقد تخطى الأستاذ جمال البنا كل الخطوط الحمراء بإباحته القبلات بين الشباب بل ووصل إلى أن يصف الزنية الواحدة أنها من اللمم إذ أن الزواج أصبح من الصعوبة بمكان في هذا العصر فماذا يفعل الشباب ؟ بل ويضيف أن الدردشة الجنسية والقبلات بين الشباب مباحة ، ويرى البنا في كثير من حواراته وكتبه أن شعر المرأة ليس عورة ويتحدى من يثبت عكس ذلك من القرآن والسنة.
 
ويصف جمال البنا نفسه أنه مجتهد وأن جميع فتاواه تدفع بالأمة إلى الأمام بعد أن تسبب الأئمة الأربعة الكبار في تخلفها بأفكارهم البالية والتي عفى عليها الزمن وأن مفسري القرآن الكريم رجعيون وأن تراثهم يجب أن يدفن معهم بعد أن أصبح غير صالح لزماننا ، وغير هذا كثير يمكن الرجوع إليه في مواقع الإنترنيت أو الكتب التي ألفها جمال البنا والتي وصلت حتى الآن إلى 130 كتابا
 
وكنت دائما أتحاشى أن أقرأ لجمال البنا خوفا من شطحاته حتى وقعت على خبر أوردته وكالة رويترز في شهر رمضان الماضي تحت عنوان ( جمال البنا يقول : الجهاد لا يعني الموت في سبيل الله بل الحياة في سبيله ) والعنوان كان كفيلا بأن أقرأ ذلك الكتاب الصادر عن دار الفكر الإسلامي عام 2002 والذي أعادت دار الشروق نشره ويقع في 134 صفحة ، فإذا بي أرى أن جمال البنا عالم من طراز خاص كما هو مفتي من طراز خاص ، ومع ذلك لم أستطع أن أربط بين علمه وبين شطحاته إلا أني أؤمن أن علينا أن نقرأ ما هو مكتوب بغض النظر عمن هو الكاتب

يرفض جمال البنا أن يكون الجهاد بابا لنشر العقيدة الإسلامية ويرى في ذلك مساسا بحرية الآخرين في الاعتقاد ويعتبر أن الجهاد الإسلامي المطلوب في هذه المرحلة لا يعني الغزو بل مناهضة التخلف والسعي للارتقاء بأساليب الحياة في العالم الإسلامي وهذا يعني تغييرمفهوم الجهاد إلى انتزاع حق الحياة بكرامة وليس الموت في المعارك
 
ويقول البنا في كتابه الجهاد : إن الجهاد اليوم ليس أن نموت في سبيل الله ولكن أن نحيا في سبيله مستشهدا على ذلك بأن الجهاد في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه في صدر الإسلام كان موجها ضد الكسروية والقيصرية والنظم الطبقية التي استعبدت الجماهير، وكان الجهاد في القرن الماضي لاستعادة الحرية السياسية والقضاء على الاستعمار البغيض ويضيف أن شعار الجهاد قديما كان ( من يبايعني على الموت في سبيل الله ) ، واليوم يصبح الشعار ( من يبايعني للحياة في سبيل الله ) ، مشددا على أن الجهاد الآن هو حشد إرادة الشعوب لتحريرها من التبعية الاقتصادية والسياسية والتخلف ومواجهة العولمة والاستغلال وصولا إلى نهضة وتنمية تحفظ للشعوب كرامتها

ويرى البنا أن الجهاد أسيء فهمه في الماضي والحاضر وأن الجهاد الحق الذي أراده الإسلام هو أن تتحول التنمية إلى معركة حضارية تنهض بالانتاج وتحقق العدالة تحت لواء الجهاد المقدس
 
ويحذر البنا في كتابه أن يكون الجهاد ذريعة للهجوم على الآخرين أو الاستيلاء على أرضهم ويتساءل: كيف نقبل الحرب دفاعا عن أنفسنا وعقيدتنا ثم نقبل الحرب هجوما على الآخرين وعقيدتهم ، ويقول إنه نتيجة لتطورات كثيرة فإن الجهاد أخذ شكلا يخالف ما يصوره الإسلام ولم يقنع بعض الدعاة بجعل الجهاد فريضة ولكنهم جعلوه الفريضة ، ودعوا إلى أن يكون أداة لنشر الإسلام وإنقاذ الدول الأوروبية مما اعتبروه جاهلية القرن العشرين وأدى بهم هذا الاجتهاد السقيم لأن يجاهدوا الدول التي في نظرهم لا تحكم بما أنزل الله وانزلقوا بهذا الجهاد المزعوم – حسب رأيه – إلى اغتيال المسؤولين بمن فيهم رئيس الدولة وقتل الأقباط أو جنود وسرقة محال الصاغة بدعوى الانتصار للإسلام
 
ويفرق جمال البنا بين الجهاد والقتال ويرى أن الجهاد وُجد دون قتال كما وجد مع القتال وكان لكل واحد منهما اسلوبه وغايته المختلفة ، والجهاد هو الأصل الدائم أما القتال فطارىء يلزم اللجوء إليه عندما تتطلب الضرورات ذلك ، ويرى أنه من الناحية التاريخية والواقعية فقد ظل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته يجاهدون في مكة المكرمة 13 سنة ويستخدمون وسائل الجهاد التي تضمنت الحكمة والموعظة الحسنة والصبر والثبات والهجرة ، وكانت الثمرة العظمى لهذا الجهاد فتح المدينة الذي تم بالقرآن الكريم ، أما القتال فقد جاء بعد الهجرة إلى المدينة عندما أصبح المسلمون في وضع يمكنهم من الانتصاف ويعطيهم الأداة التي يحمون بها العقيدة ، فبدأ القتال وكان في حقيقته دفاعا عن النفس وعن العقيدة وهذا هو سر كلمة { لكي لا تكون فتنة } التي تكررت في آيات القتال
 
واستعراض المرحلتين يوضح أن مرحلة الجهاد هي المرحلة الدائمة والمستمرة وأن المرحلة الثانية – القتال – ليست إلا مرحلة تكميلية لتأمين حرية العقيدة ولصد الهجوم على المؤمنين ، فإذا انتفى هذان فلا يكون هناك حاجة لقتال في حين يكون هناك حاجة دائمة ومستمرة إلى جهاد كما أن هذا لا ينفي أن يكون المجتمع مستعدا للقتال عندما تتطلب الظروف وأن انتفاء القتال لا يعني الدخول في مرحلة الاسترخاء ولكنه في الحقيقة انتقال من جهاد أصغر إلى جهاد أكبر ، والجهاد في حقيقته يمثل منظومة الخُلق الإسلامي، وبقدر ما يحسن فهمها وتطبيقها بقدر ما يتقدم المجتمع وبقدر ما يساء فهمها ويهمل تطبيقها بقدر ما يتخلف المجتمع ولا يمكن للقتال أن يحل محل الجهاد وأن يجدي جدواه وضرب بذلك مثلا الدولة العثمانية التي كانت قتالا ليس فيه جهاد ولذلك ذهب المدافع بما جاءت به السيوف وفقد حكم الدولة العثمانية كل القيم الإسلامية فتبدد ويرى جمال البنا أن هناك لبسا أيضا في فهم الجهاد نفسه هو اللبس ما بين الجهاد في الحياة الدنيا والجهاد للحياة الآخرة وما وقر في نفوس المسلمين من أن الجهاد الحق هو الجهاد ضد الدنيا وهو التركيز على العبادات وأن علينا أن نشتري الحياة الآخرة بالدنيا ، وهو فهم سقيم أدى إليه التدهور السريع للمجتمع الإسلامي منذ أن تحولت الخلافة الراشدة إلى مُلك عضوض وما فرضه هذا الحكم الاستبدادي من قيود على حرية الفكر وحرية العمل بحث أصبح المجال الوحيد أمام الفقهاء والشيوخ هو مجال العبادات الذي صالوا فيه وجالوا ، ويقول إن هذا الانفصام ما بين الدين والدنيا والعجز عن تحقيق التواؤم بينهما هو مأساة الجهاد الإسلامي لأن الإسلام لا يمكن أن يعادي الحياة الدنيا فإن كانت الدنيا هي الوسيلة والآخرة هي الغاية فلا بد من أن يوجد اتساق ما بين الوسيلة والغاية ولا يمكن أن نطلب غاية شريفة بوسيلة دنيئة ، ولكن أي دنيا ذمها القرآن ؟ إنها دنيا الأثرة والأنانية ، دنيا الضعة والخسة ، دنيا التهافت على الشهوات والإنصراف عن المروءات ، دنيا الجهل والاستخذاء للحكام والغفلة واتباع الآباء والأسلاف ، دنيا تتجرد من القيم التي جاء بها القرآن من حرية أو عدل أو مساواة أو إخاء أو محبة أو رحمة الخ ...
 
وأية اخرة أرادها القرآن ؟ هل هي مجرد الصلاة والصيام والدعاء والتهليل والتسبيح ؟ إن الآخرة التي أرادها القرآن – كما فهمها جمال البنا – تقوم على ما قدمته الدنيا من العمل الصالح والجهاد الدائب في مقاومة الشهوات وتحقيق المروءات والعمل في مجال التجارة والصناعة والزراعة حتى يتحقق للأمة الكفاية وحتى تستطيع أن تسلح نفسها بالخلق القوي ثم بمختلف الأسلحة التي تكفل لها الكرامة ، فليس هناك تعارض ما بين الحياة الدنيا والآخرة ، والحياة الدنيا هي مزرعة الآخرة ويقول جمال البنا إنه لعوامل عديدة اعتُبر الجهاد ممارسة للعبادات الأخروية وليس عملا وسلوكا في المجالات الدنيوية وسار هذا حتى النهاية فوُجد الذين يحسنون الموت في سبيل الله ولكنهم لا يستطيعون الحياة في سبيل الله ، وكان هذا في حقيقته نهاية للجهاد الدنيوي والاستغراق في الجهاد الأخروي مما أدى إلى فساد الإثنين معا
 
وفي خاتمة الكتاب يورد المؤلف قول الشاعر جميل بثينة :
 
« يقولون جاهد يا جميل بغزوة .......... وأي جهاد غيرهن أريد ».

ويعلق قائلا إن هذا النوع من الجهاد ربما يكون من حق الشاعر، كما لا ينكر المؤلف حق جماعة الجهاد أن ترى أن الجهاد على طريقة غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم هو الفريضة الغائبة ، ومن حق أي طرف أو جماعة أن تقول ما تشاء عن الجهاد ولكن هذا لا يغير الحقيقة التي تفرض نفسها فرضا وهي أن العالم الإسلامي بأسره اليوم في الدرك الأدنى بموازين القوة ، قوة البأس العسكرية وقوة المال وقوة المؤسسات الراسخة والنظم المستقرة وأن أهله أصبحوا قطيعا من الجياع العراة ، الذين غلبت عليهم الذلة والمسكنة وتحكمت فيها عصابات من الحكام الطغاة ، وأصبحت الشعوب لا تملك ثقافة ولا حرية ولا تنظيمات تمكنها من العمل وأصبحت تتخبط في المتاهات دون أن تصل إلى حلول ، فإذا كان هناك حديث عن جهاد فأولى ثم أولى أن يكون جهادا في مواجهة هذا الواقع المزري الذي هو أبعد ما يكون عما أراده الله تعالى عندما قال { ولله العزة ولرسوله والمؤمنين }.ر

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة