site meter

search

Google

result

Wednesday, December 16, 2009

القضاء على الفساد

زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني

" 1 "



من الظواهر الإيجابية أن الكثير من الكتاب والمدونين وكثيرا من مواقع الحوار في شبكة الأنترنت وبعض الجمعيات الأهلية بدأت تهتم وتركز على قضايا الوطن وهموم المواطنين ويأتي في مقدمة ذلك ، الاهتمام بالوحدة الوطنية والقضاء على الفساد من السرقات والرشاوى والواسطات والمحسوبيات والتلاعب بالمال العام بهدف الوصول إلى وطن مثالي يحلم به كل مواطن شريف على هذه الأرض وهو حلم بالتأكيد مشروع أرى أنه من الواجب على الكل أن يعمل على تحقيقه كل في موقعه مع إعطاء الحرية لوسائل الإعلام لتناول الأخطاء ومحاربة الفساد دون المساس بوحدة الوطن أو التشهير لأن محاربة الفساد أولوية من أولويات جلالة السلطان المعظم كما أعلن ذلك في مجلس عمان ، فتناول قضايا الوطن والمواطنين عبر قنوات رسمية سيؤصل لقيم الحوار الرشيد والجدال الحميد الحكيم والشراكة المسؤولة والمتكافئة بين الطرفين في تبادل الأفكار والآمال والتطلعات كما أشار إلى ذلك الكاتب العماني والباحث في الشؤون السياسية سعيد بن سلطان الهاشمي الذي ركز على أهمية مساحة النقد الحر والموضوعي واتساع الصدور ورحابة القلوب ويقظة العقول للرأي الآخر المخالف لما تحبه مسامعنا والمفكك لما تخشاه مصالحنا ، ومن أجمل ما قرأت في هذا الشأن ما كتبه سعيد الهاشمي في ملحق ( ن ) الذي تصدره الشبيبة بالاشتراك مع الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في العدد الخامس عندما وصف الجهود المبذولة لتحقيق المواطنة الصالحة والعلاقة الصحية بين المسؤولين والمواطنين بأنه لا مفاضلة بين جهد هنا واجتهاد هناك في مجال توعية الناس بحقوقهم وتنمية ثقافتهم القانونية فالوطن يحتاج لجهد الجميع ولا فضل لأحد على أحد في ميدان العمل الوطني لا بوظيفة أرفع ولا بنَسب أقدم ولا بثروة أكبر ولا بسلطة أقوى .

وكلام سعيد الهاشمي يجرنا إلى نقطة أخرى أراها جوهرية وأساسية وهي أنه يجب على المسؤولين أن يتحلوا بالوطنية الصادقة ويبتعدوا عن الأنانية والشخصانية ، فإذا انتقد مواطن مّا جهة حكومية أو جهازا حكوميا مّا فليس معنى ذلك أن المواطن ينتقد الوزير أو المسؤول على رأس ذلك الجهاز وبالتالي يتشنج المسؤول وكأن كرامته الشخصية قد أهينت ويعمل على التستر على المشكلة حتى لا تنتشر الفضيحة ، ثم إن الإنسان الواثق من نفسه دائما هو الذي يقبل النقد ويعمل على إصلاح العيب أو الخلل ، والعرب تقول ( صديقك من صدَقك لا من صدّقك ) لكن النفس البشرية بفطرتها تحب سماع المديح ولو كان كاذبا وتكره سماع النقد ولو كان صادقا وبناء ، ورحم الله من أهدى إليّ عيوبي.

" 2 "


لقد كان يدور همسا بين الناس وخاصة الأجانب ، بعض التجاوزات في بعض مؤسسات الدولة المختلفة وصارت نبرة الحديث ترتفع رويدا رويدا وصرنا نسمع ونقرأ عن الكثير من التجاوزات تركزت معظمها في أنه لا يمكن لأحد أن ينجز أي معاملة الآن إلا بإحدى الوسيلتين إما بالواسطة أو بالرشوة ، ووصل الأمر إلى البعض أن يتساءل في منتديات الحوار إذا كنا نحن المواطنين نسمع هذا الكلام فهل يعقل أن لا يصل إلى مسامع المسؤولين ؟ وفي حقيقة الأمر فإن السؤال منطقي وفي محله ، ومن هنا يحسب لمعالي الفريق مالك بن سليمان المعمري المفتش العام للشرطة والجمارك حين قال للزميل محمد بن علي البلوشي في جريدة الشبيبة يوم الأربعاء 9/12/2009 إنه لن يتهاون أمام أية تجاوزات قد تحدث في جهاز الشرطة فيما إذا ثبتت صحة أية ادعاءات قد تثار حول أداء بعض منتسبي الجهاز، وكشف معاليه عن تقديم عدد من الأفراد من جهاز الشرطة للقضاء بعد إدانتهم وصدور أحكام ضدهم وهذا شيء يثلج الصدر.

إن الأجهزة الأمنية في أي مكان في العالم وخاصة الشرطة بحكم تعاملها مع المواطنين مباشرة إذا أصابها الفساد فهذا مؤشر خطير ينذر بشؤم وبمستقبل قاتم إذ إن الوطن سيكون مهددا من الداخل ، وأذكر أني شاهدت موقفا أنا وأحد الإخوة في إحدى دول المنطقة - لم يستسغه عقلي حتى الآن - حيث وقف مواطن آسيوي رافعا صوته مهددا ضابطا بلباسه العسكري وقال له لو لم تكن بلباسك الرسمي لضربتك فيما الضابط لم ينبس ببنت شفة ، فلما استفسرت عن الأمر من العالمين ببواطن الأمور قالوا لي إن الضابط لم يرد لأنه يأخذ الرشاوى من هؤلاء العمال ليغض الطرف عنهم في كثير من الأمور منها انتهاء الإقامة وبيع الخمور وغير ذلك من الأمور مما جعله بالتالي في موقف الأضعف ، لذا فإن معالي المفتش العام للشرطة والجمارك كان محقا عندما أكد على خطورة أي تجاوز من المنتسبين للشرطة وتداعياته بقوله : "هذا أمر خطير جدا ويتعلق بثقة المواطنين والمقيمين بهذا الجهاز ونحن عازمون على بتر كل عضو فاسد إذا كان ما قيل صحيحا" ، ومن شأن تصريح كهذا أن يزلزل قلوب من تسول له نفسه استغلال وظيفته وتشويه سمعة البلد من أجل حفنة بسيطة من الريالات ، ونتمنى أن تحذو بقية الوزارات والهيئات النهج نفسه


" 3 "

إن المسألة لها جانب آخر فتصريح معالي المفتش العام للشرطة والجمارك جاء ردا سريعا على ما نشره الأخ عاصم الشيدي في جريدة عمان بتاريخ 7 /12 / 2009م تحت عنوان ( مخالفة حائرة بين ألوان ليست قزحية ) تحدث فيها عن أحد المواطنين الذي قال لعاصم إنه جدد سيارته وتخلص من مخالفاته التي زادت على ضعفي راتبه دون أن يدفع شيئا لأن أحدهم في جهاز الشرطة وزع المخالفات على أرقام سيارات مجهولة .

إن الأخ عاصم الشيدي لم يؤكد الواقعة أو ينفها بل أكد أن محدثه إن كان صادقا فقد جدد سيارته ولم يدفع مخالفاته وانتهى الأمر، وبالتأكيد فإن عاصم لم يهدف من وراء نشر هذه القصة إلا الإصلاح ما استطاع وما توفيقه إلا بالله ، ومن هذا المنطلق بالذات أتمنى أن يعامل عاصم الشيدي وغيره من الكتاب أو الصحفيين أو الإعلاميين الذين يكتبون ما قد يظن بعض المسؤولين أنه تهجّم شخصي لأن مهمة ورسالة الإعلام هي إنارة الطريق وخدمة الوطن وإظهار الحق والحقيقة بل إن الإعلامي الحقيقي مطالب أن يكون حارسا للوطن حاله كحال أي شرطي أو جندي في الثغور وأن يكون مترجما لنهج جلالة السلطان المعظم في محاربة الفساد .


وفي ظني أننا يجب أن نعمل على إقامة علاقة صحية بين المسؤولين والمواطنين وهذا شبه مفقود الآن وبدوره أدى بالبعض أن يسكت عن الكثير من التجاوزات - إن حدثت - خوفا من المحاسبة أو الجرجرة إلى مكاتب الادعاء العام والمحاكم مما جعل من المشكلة تكبر وتنتقل من طور السر والكتمان إلى الظهور والإعلان ، فما هو المطلوب ؟ مطلوب من المسؤولين أن يوسعوا صدورهم ويفتحوا قلوبهم لسماع المواطنين وأن يبتعدوا عن التلويح بالعصا الغليظة ، وبالمقابل مطلوب من المواطنين أن يكونوا صريحين مع المسؤولين وأن يتحلوا بالشجاعة نفسها التي تحلى بها معالي المفتش العام للشرطة والجمارك حين أعلن أنه سيقف بحزم ضد من تجاوز حده إذا ثبت أن ذلك صحيحا .

كنت أتمنى - بل هناك غيري كثيرون – أن لا يتم تحويل عاصم الشيدي إلى الادعاء العام وأن يتم البحث في حقيقة الموضوع الذي كتبه بأساليب أخرى لأن الصحفي يجب أن يحمي مصادره أولا وثانيا لأن الصحفيين الآخرين سيغضون الطرف عن الأخطاء والتجاوزات مستقبلا وفي هذا فرصة أن تنمو وتزداد وتكبر ، وبالتأكيد فإن عاصم أراد خيرا وهو الذي قال عن القصة ( لا أستطيع أن أتيقن إن كانت حدثت أم لا لكني أستطيع أن أرسم مشهدا في خيالي لذلك الذي سيدفع قيمة مخالفة لا ذنب له إلا أنه صدق الجهاز ولم يبرئ نفسه من الخطأ وتجاوز السرعة ، ولا نشك أن الأجهزة المعنية لديها صورة ذهنية عن مثل هذه الخروقات التي قد تحدث نتيجة الاستغلال السلبي للأمانة والتي ربما لم تكن ظاهرة على المشهد نتيجة محدوديتها لكن تداولها على نطاقات أكبر أظهرها وأخرجها للتداول الجمعي ).

" 4 "

إننا بحاجة إلى تأهيل المواطنين خاصة الجيل الجديد وإننا بحاجة إلى تربية وطنية تزرع مبادئ الإخلاص والوفاء والأمانة وتعوّد هذا الجيل على البذل والعطاء لا على الأخذ فقط لأن من يفقد كل شيء يحصله بسهولة سيلجأ إلى أي أسلوب في سبيل الكسب حتى عن طريق الحرام ، والحديث عن الوطن لا تكفيه مقالة واحدة ولكني أرى أن هناك من كتب ولخّص ما يدور في فكري بل وفي بال الكثيرين من الغيورين والحريصين على سمعة ووحدة الوطن حيث كتبت منى بنت سالم جعبوب وهي كاتبة وباحثة تربوية كتبت في ملحق ( ن ) العدد الخامس بجريدة الشبيبة تقول :

( شئنا أم أبينا فإننا نمر بأزمة حقيقية قد يدركها بعضنا وقد يحتاج بعضنا سنينا وشهورا وربما تمزقا وويلات حتى يدركها ، ونحن التربويون إدراكنا لها ممزوج بتأنيب الضمير فالمسألة مرتبطة بدور التربية ووظيفتها الحقيقية فالأزمة هي أن روح المواطنة لدينا ليست جلية .. روح المواطنة والتي تعني أن تحب الوطن ليس لأنك تعيش فيه وتعمل فيه وتدرس وتأكل وتشرب بل لأنه الوطن وأن تجعل هذا الحب فوق مصلحتك ومصلحة جماعتك الشخصية أي أن يكون حبك للوطن فوق حبك للجماعة والمنصب ولذاتك وأن يكون الوطن فوق الجميع في عالم الماديات الضاجة بالصخب ، فعلا نحن نرتكب جريمة عندما نختصر الوطن في منطقة أو في مذهب أو قبيلة أو مصلحة ذاتية لأن جميعها – رغم أهميتها – لا تصل بنا للمعنى الحقيقي للوطنية ، إن علينا أن نعمل وبشكل منتظم ومدروس على تربية روح المواطنة من خلال دروس التاريخ ومؤسسات المجتمع المدني )

أما طيبة المعولية فإنها تتناول الوطنية من زاوية أخرى حيث تقول في الملحق نفسه ( إن الكثيرين من أعضاء الحكومة لا يقبلون بأي نقد لأدائهم وأداء مؤسساتهم التي يرأسونها ويعتبرون ذلك انتقاصا من شخوصهم ، ولقد أثبتت تجربتي للأسف صحة وجهة نظري في إبداء الرأي والدفاع عن مبدأ يؤمن به الفرد ونقد بعض موظفي الدولة أو المسؤولين بمثابة الجرم الذي يحاسب عليه مرتكبه وإن كانت قد ظهرت بوادر لتغيير هذا المفهوم بعدما دفعنا ثمن انتقادنا وآرائنا).
 
منشورة في جريدة الشبيبة العمانية

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة