site meter

search

Google

result

Wednesday, December 9, 2009

المشكلة أكبر من شخص فاروق حسني


زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني

" 1 "



أدت هزيمة فاروق حسني المرشح العربي لانتخابات رئاسة المنظمة الثقافية الأولى في العالم إلى الكثير من المناقشات والأقوال والتحليلات حول تلك الهزيمة حيث اعتقد البعض أن الهزيمة تعود إلى شخص فاروق حسني وموقفه من التطبيع مع إسرائيل واعتقد الآخرون أن فاروق حسني دفع ثمن الهزيمة باعتباره مرشحا عربيا ومسلما فيما اعتقد الآخرون أن الهزيمة تعود إلى ضعف مصر الآن وغيابها عن الساحة وعن القيادة وهو ما يعني بالتبعية ضعف العرب والمسلمين ، وأيا كانت التحليلات فإن كل تلك الآراء قد تكون صحيحة ولكن يبقى أن الرأي الأخير وهو ضعف مصر والعرب هو الرأي الأكثر صوابا من وجهة نظري الخاصة ولا ألزم به أحدا من باب أولى خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الفائزة بالمنصب الثقافي الأعلى في العالم هي البلغارية إيرينا بوكوفا التي لم تتوقع هي نفسها ذلك الفوز ولا رئيسها ولا مواطنوها فلا هي بحجم فاروق حسني ولا بلغاريا بحجم تاريخ وثقافة وحضارة مصر


" 2 "

إن هزيمة فاروق حسني في تولّي رئاسة اليونسكو أعادت إلى الأذهان الصفر الكبير الذي حصلته مصر في التصويت على تنظيم مونديال كأس العالم التي ستقام العام المقبل والتي فازت بها جنوب أفريقيا وأعادت هذه الهزيمة طرح الأسئلة نفسها التي طرحت يوم فشلت مصر في الحصول على شرف تنظيم كأس العالم مما يستدعي الآن وقفة حازمة لمناقشة ما جرى وما يجري ، فهناك حقائق سياسية على الواقع الآن أهمها غياب الدور المصري في العالم وفي القارة الأفريقية بالذات إذ لم تحصد مصر إلا على 4 أصوات أفريقية فقط في انتخابات اليونسكو من مجموع 13 صوتا للمجموعة الأفريقية في المجلس التنفيذي لليونسكو ، رغم أن التصريحات الأفريقية كانت كلها تشير إلى دعم المرشح المصري ولكن ظهر في الانتخابات أنها كانت مجرد وعود قطعها الزعماء الأفارقة للعقيد القذافي الذي دعم ترشيح فاروق حسني بصورة كبيرة واستطاع أن ينتزع القرار الأفريقي بتأييده باعتباره الرئيس الحالي لمنظمة الوحدة الأفريقية وقد يكون مع ذلك مقابل مبالغ ضخمة دفعها للرؤساء الأفارقة ، وهو الذي أصبح يتغنى في كل محفل بالوحدة الأفريقية ويضع في ملابسه شعارا ثابتا هو خريطة القارة الأفريقية كما حصل في زيارته لإيطاليا وأثناء إلقائه كلمته في الأمم المتحدة ، لكن مع كل هذا فإن الرؤساء الأفارقة أعطوا وعودا ولم يلتزموا بها لأن الدور المصري الحقيقي غائب عن القارة

إن هزيمة المرشح المصري – مثلها تماما مثل حصول مصر على رقم صفر في استضافة مونديال 2010 – يستدعي الآن جهودا كبيرة من مصر لإعادتها إلى وضعها الطبيعي حيث قادت مصر أوسع عملية تحرير في التاريخ للقارة السوداء في مطلع الستينيات وكانت قبلة حركات التحرير فيها وهي التي كانت تدير القارة كلها فإذا هي تتخلى عن دورها القيادي وتخلي مواقعها المتقدمة – يا للأسف لمن ؟- لإسرائيل التي أصبحت تحاصر مصر الآن من كل حدب وصوب

إن ما جرى في اليونسكو مؤشر خطير بنذر بعواقب وخيمة في ملفات مصرية أفريقية كثيرة لعل أبرزها ملف حوض النيل شريان الحياة الأساسي لمصر بعد أن تزامنت هزيمة فاروق حسني مع زيارة قام بها ليبرمان وزير خارجية إسرائيل لأفريقيا شملت دول المنبع مثل أوغندا وكينيا وإثيوبيا التي أصبحت تتحدى مصر الآن علنا أو بالمصطلح العامي عيني عينك !


" 3 "

لقد تجرع المثقفون والغيورون من المواطنين المصريين هزيمة المرشح المصري بمرارة وكتب الكثيرون عن مرارتهم في تلك الهزيمة وانتبرى الكثيرون يوجهون التهم يمينا ويسارا مما عرف بين العرب بثقافة المؤامرة وأريق حبر كثير في الصحف العربية والمصرية بالذات عن هذه الهزيمة وأكتفي بأن أنقل رأيا واحدا ربما يلخص كل الآراء حيث كتب عبد الله السناوي رئيس تحرير جريدة العربي المصرية في عدد 27/9/2009 تحت عنوان ( الحرب في اليونسكو .. خفايا ما جرى ) أن القصة بالغة التعقيد فالمحرض الرئيسي فيها هو اللوبيات اليهودية فقد ضغطت على الإدارة الأمريكية الجديدة حتى تتبنى ذات موقف إدارة المحافظين الجدد ، والإدارة الأمريكية التزمت بما طلب منها وأرسلت قبل أسابيع من الانتخابات سفيرا لليونسكو عهد عنه العداء للعرب والالتزام باللوبي اليهودي وهو من أقطابه وضغطت على فرنسا وإيطاليا لتمكين البلغارية بوكوفا من الفوز وقبل ذلك الضغط على النمساوية بنيتا فيررور للإنسحاب في توقيت حسب بدقة ، كما أن السناوي يعود ثانية فينشر في جريدته في الأول من نوفمبر 2009 الوثائق السرية الكاملة لما جرى في اليونسكو في مقالة توثيقية يمكن للمختصين أن يرجعوا إليها ، ومن ضمن ما يشير فيها إلى أن موقع جوجل رصد في يومين فقط هما 10 و 11 سبتمبر الماضي 4500 مقال ضد فاروق حسني واحتمالات فوزه

والكلام الذي كتبه عبد الله السناوي صحيح ولا غبار عليه أبدا فاللوبي الصهيوني لن يسمح أبدا بوجود مرشح عربي مثل فاروق حسني على رئاسة اليونسكو وإسرائيل تنفذ الآن مخططا كبيرا لتهويد القدس بالكامل ومحو وطمس المعالم العربية والإسلامية فيها والأنفاق تهدد الآن المسجد الأقصى وقد ينهار في أي لحظة ، فوجود عربي ومسلم على رأس هذه المنظمة قد يعرقل تنفيذ تلك المخططات الصهيونية لأن قرارات اليونسكو تتبنى الحفاظ على الإرث التاريخي الإسلامي والمسيحي في المدينة المقدسة وحماية الآثار فيها ، وكل ذلك جاء بعد التصريحات التي نسبت لفاروق حسني بأنه سيحرق الكتب اليهودية رغم أن فاروق حسني نفسه وقع في غلطة كبيرة عندما كتب اعتذارا عما نسب إليه من التصريحات في مجلس الشورى المصري عن حرق الكتب اليهودية نشر في صحيفة اللوموند الفرنسية مما أدى إلى نتيجة عكسية إذ اتخذ اليهود ذلك الإعتذار ذريعة لتأكيد عداء فاروق حسني والمثقفين المصريين والعرب للسامية فلا الإعتذار أفاد فاروق حسني في الفوز برئاسة اليونسكو ولا أذهب عنه تهمة العداء للسامية بل أصبح وثيقة اتهام ضده ، كما أن فاروق حسني لم يكتف بذلك الاعتذار المهين بل أعلن عن استعداده لزيارة إسرائيل بعد نجاحه في اليونسكو ودعم الثقافة العبرية وترميم المعابد اليهودية حتى تأكد الجميع أن حامي حمى الثقافة في مصر – كما كتب ذلك أحمد صقر في صحيفة الميدان المصرية – مستعد أن يبيع القدس والقاهرة وكل شيء من أجل المنصب .!

ولكن لندع كلام المثقفين العرب والمصريين جانبا لأن هذا الكلام جاء تبريرا للهزيمة أو تجرعا لمرارتها ونسأل أنفسنا هل لو كان العرب بما في ذلك مصر طبعا أقوياء ولهم نفوذ في العالم هل كان اللوبي الصهيوني سينجح في إسكات الصوت العربي في كل مكان وفي كل ميدان ؟ ثم إن هذا السؤال يجرنا إلى سؤال آخر كيف لنا أن نصدق أن إسرائيل تقف ضد المرشح المصري في وقت نقرأ فيه في الصحافة المصرية أن هناك قائمة كبيرة من المثقفين والصحفيين يطبعون العلاقات مع إسرائيل مما قد يؤدي إلى بلبلة وإشكال كبيرين في الفهم عند الناس ؟ وللدلالة على ذلك سأعود إلى جريدة العربي الناصرية عدد 29/9/2009 والذي كتب فيه عبد الله السناوي صحفة كاملة عن فاروق حسني وفي العدد نفسه نجد مقتطفات مطولة من لقاء أجرته صحيفة الشرق الأوسط اللندنية يوم 13/9/2009 مع شالوم كوهين السفير الإسرائيلي في مصر الذي قدم فيها اعترافات خطيرة عن التطبيع والمطبعين ، والفقرة الأبرز هي التي يصف فيها التطبيع السياسي مع مصرويقول ( في المجال السياسي فقط قبل أيام زار مصر مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية وقبل شهرين قام حسام زكي كبير مساعدي وزيرالخارجية والناطق باسم الخارجية المصرية بزيارة إسرائيل من أجل تبادل الآراء ، وفي السنة الأخيرة قام رئيس الدولة شيمون بيريز بزيارة مصر مرتين وكذلك فعل رئيس الحكومة أولمرت مرة وبنيامين نتانياهو مرة ، ووزير الدفاع 3 مرات ووزيرة الخارجية السابقة مرتين ووزير التجارة والصناعة إيلي يشاي مرة ووزير البنى التحتية بنيامين بن اليعاز مرة ، كما أن الوزير اللواء عمر سليمان زار إسرائيل مرتين ، ومثل هذه الكثافة في الزيارات غير موجودة في العلاقات الخارجية لإسرائيل حتى مع دولة مثل فرنسا أو هولندا أو بلجيكا ..!) فعلاقات بهذا المستوى ألا تطرح تساؤلا على الأقل لدى العوام كيف يمكن لإسرائيل بعد كل ذلك أن تقف ضد مصر ثم ما هي المصلحة المصرية في هذه العلاقات ؟ !


" 4 "

الفكرة الأساسية لمقالي هذا وربما لمقالاتي السابقة هي أننا قبل أن نتهم الآخرين دائما بالوقوف ضدنا - وهم يقفون ضدنا دائما - يجب أن نعرف من نحن وما هو ثقلنا وما حجمنا ؟ وعندما نكون أمة حقيقية لها أهداف إستيراتيجية بعيدة المدى وأهداف قصيرة المدى ونعرف ما نريد ثم نؤمّن الوسائل التي توصّلنا إلى هدفنا يمكن عندها أن نندم على أننا خسرنا رئاسة اليونسكو وخسرنا تنظيم كأس العالم وخسرنا كل الأصدقاء ، أما أن تعيش الأمة بلا هدف وكل يوم تخسر من رصيدها السابق ثم نتغنى بأمجادنا وبما فقدناه فهذا هو الخسران المبين ، فكما اتضح فإن المشكلة ليست في شخص فاروق حسني بل المشكلة أكبر من ذلك إذ أنها تتركز في الانهزام المهين في كل شيء وفي الوزن الهزيل للأمة فلا هيبة ولا احترام ولا ثقل ولا قيمة ولا وزن ، وإذا كانت مصر بخير فإن العرب بخير وإذا كان العرب بخير فإن المسلمين بخير والعكس أيضا صحيح

إن المبررات المصاحبة لخسارة فاروق حسني رئاسة اليونسكو تذكّرني بالمبررات التي كانت تقدم عند أي هزيمة تلحق منتخباتنا أو أنديتنا الرياضية فالحكم كان ضدنا والمطر كان غزيرا وحرارة الجو والهواء ضدنا والأرض والجمهوروكل شيء وعندما لا نجد مبررا نقول إن صحافة تلك الدولة تجاهلتنا ولكن عندما تخطينا الهزائم وأصبح الكل يحسب لنا حساب اختفت تلك المبرروات لأن الواقع قد تغير، وقديما اشتكى السيد خالد بن حمد البوسعيدي عندما كان رئيسا لنادي – لعل البعض يذكره – اسمه فنجا من ظلم وأخطاء حكام الكرة ضد ناديه الذي يبدو أنه هو الآخر قد نسيه ، فقال الزميل عبد الله اللمكي إذا سجّلنا هدفا يمكن أن يلغيه الحكم وإذا سجلنا الثاني ربما يلغيه الحكم ولكن إذا سجلنا 6 أهداف فهل يمكن للحكم أن يلغيها كلها ؟! وهذا في رأيي هو المنطق الصواب فما ينطبق على الكرة ينطبق على الناس وعلى الدول وعلى الحياة كلها

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة