site meter

search

Google

result

Tuesday, November 10, 2009

إنه الدكتور مصطفى محمود


زاهر بن حارث المحروقي

كاتب عماني


" 1 "

انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم السبت الماضي د. مصطفى محمود بعد حياة حافلة بالإنجازات العلمية والفكرية وترك مكتبة عظيمة من الكتب والمقالات والفكر وترك مكتبة سمعية عظيمة عبارة عن 400 حلقة من البرنامج الشهير العلم والإيمان



كنت أتابع البرنامج بفترات متقطعة ولم أكن أركز عليه كثيرا وذلك لعمق ما كان يتناوله من مواضيع أكبر من عقلي ، ثم قرأت كتابه ( 55 مشكلة حب ) وهو الكتاب الذي أثار انتباهي بردوده الصادمة والجريئة ضد أصحاب المشاكل العاطفية وكانت الصحافة العربية في تلك الفترة تركز كثيرا على المشاكل العاطفية والردود عليها بكلام إنشائي فقط لا يضيف شيئا حتى وقعت على ذلك الكتاب وبدأ اهتمامي بمتابعة ما يكتبه



وفي يوم من الأيام أعطاني الزميل محمد بن سلطان البوسعيدي وهو من الرعيل الثاني من جيل المذيعين في إذاعة سلطنة عمان وعمل بعد ذلك أمينا لمكتبة الإذاعة الثقافية لسنوات أعطاني مقالا للدكتور مصطفى محمود ينتقد فيه فوز الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بنسبة كبيرة في الانتخابات الرئاسية وقال د. مصطفى في مقاله ذلك والذي نشر فيما بعد في كتاب تحت عنوان ( عظماء الدنيا وعظماء الآخرة ) قال إنها صور متكررة لنفس النوع من الحكم ونفس النوع من الإعلام المسيطر المكتسح الذي يمحو تعددية الآدميين ويمحو فردية الناس ويسحق شخصياتهم في مفرمة الرأي الواحد ويحولهم إلى نسخ مسلوبة شائهة وقطعان تقول نعم لأي شيء وتهتف لأي كلام ، إنها ليست علامة تقدم بل علامة تخلف حقيقي ومرحلة قديمة عبرتها أوروبا



وكتب د. يقول إن ال99،9 % ليست شرفا لصاحبها بل سبة وعارا وعجزا عن مواجهة النقد والمعارضة والرأي الآخر ، إن الله العظيم القادر الجبار لم يحصل على هذه النسبة حينما طرح خيار الإيمان بوحدانيته بل كانت النتيجة في ذلك الإستفتاء الإلهي أقل من 30 % حيث قال الله في كتابه وفي أكثر من سورة وبأكثر من صياغة إن أكثر الناس لا يؤمنون وقال عن المؤمنين ( وقليل ما هم )



لقد انبهرت بما قرأت فقلت للأخ محمد بن سلطان هذا كلام منطقي جدا ولكن لماذا تكلم د. عن صدام حسين ولم يتكلم عن الرئيس السادات الذي فاز بالنسبة نفسها ؟ فقال لي إنك محق في سؤالك ولكن عليك أن تقرأ لهذا الرجل فإن الله قد فتح عليه ، فكانت تلك هي البداية وفعلا اكتشفت أن كلام الأخ محمد كان في محله فقد فتح الله على الرجل وأصبحت مدمنا لكتبه ومقالاته حتى اختفى فجأة من وسائل الإعلام العربية كلها بطريقة أقرب إلى لغز الموت دون أن يعرف أحد سببا لذلك الاحتجاب حتى ظن الكثيرون أنه قد انتقل إلى رحمه ربه

" 2 "

لقد شاء الله أن أشاهد يوم 26/9/2009 في قناة الحياة الفضائية اتصالا هاتفيا بأمل ابنة د. مصطفى محمود قالت فيه إن صحة والدها قد تدهورت وقد نقل على عجل إلى غرفة العناية بالمستشفى الذي يحمل اسمه وكنت أتمنى أن تسهب وتطيل في وصف حالة أبيها إلا أنها كانت مقلة ومقنضبة جدا



لقد اختار د. مصطفى العزلة والانقطاع عن العالم أكثر من 6 سنوات حسب ما قال ذلك المقربون منه وفضل أن يعيش في صومعته في غرفة صغيرة متواضعة فوق مسجده لكن هذا لا يعفي عن القول إن الأمة قد قصرت في رجل في قامته الذي ملأ وسائل الإعلام علما وثقافة ونقاشا وجرأة فلم يسأل عنه أحد أبدا وهو ما تكرر مع الكثيرين من القامات الكبيرة في الوطن العربي من المفكرين والمثقفين والكتاب الذين عاشوا اسوأ الظروف المعيشية ولم يبال أحد بهم سواء في صحتهم أو مرضهم وكأن الإنتاج الفكري أصبح وبالا على الأمة ، والأمة لا تنهض أبدا إلا بمفكريها كما أن الأمم الحية هي التي تهتم بأبنائها وعلمائها ومفكريها باعتبارهم مصابيح للهدى



ولا أحد يعرف هل كان اختفاء د. عن العالم اختفاء ذاتيا أو مقصودا ؟ إنني كلما أفكر في اختفائه أتذكر د. عبد الوهاب المسيري رحمه الله وما عاناه من مرض حتى وفاته وهو الذي قدم موسوعة هامة عن اليهود واليهودية والصهيونية وهي الموسوعة التي تعمل إسرائيل على شطبها وتحويلها إلى النسيان ، فالمسيري لم يجد حتى دواء يتداوى به آخر حياته وباع كل ما يملك لإنجاز موسوعته تلك ، وما حصل مع المسيري حصل أيضا مع د. محمد السيد سعيد أحد أبرزوجوه مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية ومؤسس صحيفة البديل ومع الكاتب الروائي يوسف أبو رية اللذين عانا من المرض ولم يتسولا العلاج



ولكن رغم التجاهل الذي لقيه د. مصطفى محمود إلا أنه كانت هناك بعض الجوانب الجيدة ومن ذلك مثلا أن جريدة الجزيرة السعودية أصدرت ملفا خاصا من الجزيرة الثقافية عنه يوم الاثنين 7/7/2008 ، ضم كتابات ل30 مثقفاً عربياً من محبيه ومن بينهم د. غازي القصيبي، د. زغلول النجار، د. إبراهيم عوض، د. سيّار الجميل وغيرهم من الأدباء والمفكرين والأكاديميين بالإضافة إلى الشاعر فيصل أكرم الذي قام بإعداد الملف كاملاً كما ضم العدد الخاص صوراً خاصة وكلمة بيد د .مصطفى محمود وأخرى بخط ابنته أمل ، وكان الأولى أن تكون وسائل الإعلام المصرية في مقدمة المهتمين بهذا المفكر فمن مصر انطلق إلى العالم العربي من خلال برنامجه الشهير العلم والإيمان والذي قدم منه 400 حلقة ، كما أنه منها انطلق من خلال مقالاته التي كان يكتبها وتنشرها العديد من الصحف العربية ومن خلال كتبه التي زادت عن 80 كتابا

" 3 "

لقد كانت معركة الشفاعة التي وقعت عام 2000 هي آخر المعارك الكبرى التي خاضها د. مصطفى محمود حيث صدر أكثر من 18 كتابا للرد على كتابه الذي أسماه الشفاعة ، وقد انبرى الخطباء للهجوم عليه حتى خطيب جامع الدكتور نفسه المعروف باسم جامع مصطفى محمود اعتلى المنبر أكثر من مرة وهاجم الدكتور مصطفى حول آرائه عن الشفاعة ، وتتلخص فكرة الكتاب في أن الشفاعة التي سوف يشفع بها رسول الله عليه الصلاة والسلام لأمته لا يمكن أن تكون على الصورة التي نعتقدها نحن المسلمون ويروِّج لها علماء وفقهاء الشريعة والحديث إذْ الشفاعة بهذه الصورة تمثل دعوة صريحة للتواكل الممقوت شرعاً وتدفع المسلمين إلى الركون إلى وهم حصانة الشفاعة التي ستتحقق لنا لمجرد الانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى آخر أي أقتل وازني واسرق فإن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بانتظارك مهما فعلت طالما نطقت بالشهادتين ، أما الشفاعة بمعنى هدم الناموس وإخراج المذنبين من النار وإدخالهم الجنة فهي فوضى الوسايط التى نعرفها فى الدنيا ولا وجود لها فى الآخرة وكل ما جاء بهذا المعنى فى الأحاديث النبوية – حسب رأيه - مشكوك فى سنده ومصدره لأنه يخالف صريح القرآن ولا يعقل من نبي القرآن أن يطالب بهدم القرآن ولكن المسلمين الذين عرفوا بالاتكالية قد باتوا يفعلون كل منكر ويرتكبون عظائم الذنوب اتكالا على نبيهم صلى الله عليه وسلم الذى سوف يخرجهم فى حفنة واحدة من النار ويلقي بهم فى الجنة بفضله وكرمه .



وقد هوجم د. وكأنه منكر لوجود الشفاعة من أساسها وانفجرت الثورة في وجهه من جميع الاتجاهات وكثرت الردود على كتابه وصمد في وجه المعركة وانتصرلفكره خاصة أنه لم يكن يقصد إساءة للدين الذي قضى جل عمره حاملاً راية الدفاع عنه ودافع عن تصرفه بحرية الفكر والرد إلا أن هذه الأزمة مع كبر سنه وضعف صحته – كما جاء في موسوعة ويكيبيديا - أدت إلى اعتزاله الحياة الاجتماعية فامتنع عن الكتابة إلا من مقالات بسيطة في مجلة الشباب وجريدة الأخبار ثم أصيب عام 2003 بجلطة في المخ أثرت على الحركة والكلام ولكن مع العلاج تحسنت حالته الصحية واستعاد القدرة على الحركة والنطق مرة أخرى واستمر في عزلته مع رفيقه الوحيد الكتاب حتى أدخل المستشفى



ولقد قالت ابنته أمل لصحيفة الجزيرة السعودية ( لو أن والدي قادر يتكلم كان شكر بنفسه كل إنسان سيقول عنه كلمة طيبة.. والدي تعب من الهجوم عليه ويحتاج لكلمة طيبة) ، وفي حقيقة الأمر فإن ما قاله د. مصطفى محمود في كتابه عن الشفاعة يقوله الكثيرون من العلماء ومنهم الشيخ الشهيد بإذن الله تعالى سيد قطب وهو ما يتوافق مع الفقه الإباضي تماما كما أن موقفه من الخلود في النار لا يختلف بتاتا عما يقوله الفقه الإباضي في شيء ( ويمكن للمهتمين أن يرجعوا إلى الكتاب وهو موجود بالكامل في النت ، وإذا سمح الوقت ربما أستعرضه لاحقا )

" 4 "

يقول د. مصطفى محمود في كتابه ( الإسلام في خندق ) إن الإسلام موجود في ديارنا بالفعل والأذان يدوي من المآذن " لا إله إلا الله " كل يوم 5 مرات والناس تسعى ألوفا إلى المساجد ولا حاجة بنا إلى انقلاب وإنما لإصلاح يسعى إلى الناس من قنواته الشرعية انتخابا طوعيا وأصواتا تخاطب الناس من منابر برلمانية وليس من أبراج الدبابات ومن فوق ظهور المدافع ، ويريد الناس أن يروا في الداعية قدوة ومنبرا علميا رفيعا وليس شقشقة لسان من شاب حدث لا يعرف من دينه إلا آية أو بضع آية ، إن الإسلام حضارة وحوار رفيع المستوى ورحمة



إن د. لا يجد عجباً في الهجمة الشرسة على الإسلام والعرب وقد تنبأ بها في أكثر من كتاب فيقول: إذا كانت أمريكا تتضخم وتتعملق وتملك أفتك الأسلحة وتمتلك القنبلة الذرية والهيدروجينية فتلك قضيتها الأولى لاستعباد غيرها من الشعوب والأمم ، الأمريكان يعملون جادين لمصلحة وطنهم وشعبهم منذ بزوغ كيانهم على الأرض لكن العجب العجيب ألا يعمل العرب والمسلمون - كذلك - لنصرة دينهم وشريعتهم وتنمية أوطانهم ونهضة شعوبهم! مع أننا نمتلك معظم مقدرات العالم كله من الموارد والمواقع والمنافذ فلولا العرب والمسلمون ما قامت للغرب قائمة وما ظهرت لهم حضارة ولا مدنية وأعجب من ذلك كله أن الأوروبيين والأمريكان واليابانيين وسائر الشعوب التي ازدهرت وتطورت تغذت على مواردنا وصعدت على أكتافنا بل تتلمذوا على كتبنا وجلسوا تحت أقدام علمائنا وفلاسفتنا في العواصم الإسلامية.. ومنذ أن شاء الله للغرب أن ينهض بدأ العالم العربي والإسلامي في الهبوط والعد التنازلي حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن من الفشل الاقتصادي والتناحر السياسي والهزائم النفسية والعسكرية فالعيب فينا وليس في عدونا وهل كنا على أمل أن يعم السلام والوئام بين الدين الحق وأباطيل اليهود وأوهام الصهيونية؟ أم أن هناك نبوءات بتعانق المسلمين والصرب أو المؤمنين والكفار...؟



ويضيف الدكتور مصطفي محمود أن سنن الله وحكمته في خلقه وكونه تظل باقية من غير تبديل ولا تحويل (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ) هناك قانون ثابت يعمل في الفرد والمجتمع والطبيعة والتاريخ هو دفع المتناقضات بعضها ببعض (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ) وهذا القانون يعمل منذ بدء الخليقة لتمحيص الأفراد فيبقى الصالح ويقضى على الفاسد ، والمسلمون شهداء على الناس لأن عندهم المعيار الصدق الذي يحكمون به على جميع أهل التطرف من كل الملل والمذاهب

" 5 "

لقد عرض الرئيس السادات الوزارة للدكتور مصطفى محمود رحمه الله رحمة واسعة ولكنه رفضها قائلا إنني قد فشلت في رئاسة أسرة صغيرة مرتين فكيف لي أن أدير وزارة ؟ لأن الدكتور كان قد خطط لحياته فبعد رحلة العمر والبحث الطويل والانتقال من الكفر إلى الإيمان ومن الشك إلى اليقين استطاع تحديد هويته إذ يقول: لو سئلت بعد هذا المشوار الطويل من أكون هل أنا الأديب القصاص أو المسرحي أو الفنان أو الطبيب ؟ لقلت : كل ما أريده أن أكون مجرد خادم لكلمة " لا إله إلا الله " وأن أكون بحياتي وبعلمي دالا ًً على الخير



رحم الله تعالى الدكتور مصطفى محمود رحمة واسعة ونسأله أن يجعله مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا

منشورة في جريدة الشبيبة العمانية في 4 نوفمبر 2009

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة