site meter

search

Google

result

Saturday, May 9, 2009

العلاقات العمانية الإيرانية

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب عماني

1

لقد عرفت السياسة العمانية بالاستقلالية التامة منذ تولى مقاليد الحكم فيها جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه حيث ظهر ذلك جليا في المواقف والسياسات التي اتخذتها السلطنة وهي كثيرة لا يمكن حصرها في مقال واحد ولكن تبقى أبرز هذه المواقف هي إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين الشعبية منذ البدايات الأولى للعهد الجديد في وقت كانت الصين من المؤيدين الفعليين لثورة الجنوب ، ومنها مثلا إقامة علاقات دبلوماسية مبكرة مع الاتحاد السوفييتي الذي وقف مع اليمن الجنوبي ضد السلطنة بالمال والسلاح والعقائد


كما أن السلطنة اتخذت موقفا حازما في تأييد الرئيس السادات في ما عرف بمبادرة السلام وما تبع ذلك من اتفاقيات كامب ديفيد ورفضت رفضا قاطعا مقاطعة مصر كما فعل العرب جميعا الذين قاطعوا مصر ثم أعادوا العلاقات معها بوجود الصلح مع إسرائيل وكأن المقاطعة كانت مجرد لعبة أطفال لأن السبب لم ينتف ، وقد التزمت السلطنة بمقررات جامعة الدول العربية كلها وحضرت جميع فعالياتها مع الالتزام التام في دفع حصتها المقررة للجامعة في وقت لم تلتزم بالدفع دول نفطية غنية مما سبب في أزمة الجامعة المالية قبل سنوات


وتتبع السلطنة في سياساتها دائما سياسة الأمر الواقع باعتبار أن مصلحة الوطن هي الأساس ولا تعتمد فقط على سياسة رد الفعل ، لذا تجدها تستقبل على الفور قادة اليمن الجنوبي في أراضيها بعد أن انتهت الحرب بإقرار الوحدة بين اليمنيين وهم الذين ناصبوا السلطنة العداء بتأييدهم لحركات التمرد مما أوقع السلطنة في تلك الفترة في مآزق كثيرة منها استنزاف المال العام وإشغال الحكومة بجزء واحد من الوطن على حساب التنمية وعلى حساب جزء تاريخي آخر ، ولولا ذلك التمرد لكان لجلالة السلطان المعظم رأي آخر في الشمال ولما سمح أبدا بانفصال بعض أجزاء الوطن التاريخية عن الوطن الأم ، وهو ما أشار إليه جلالته حفظه الله في مؤتمر صحفي عقده لوسائل الإعلام المحلية عام 1974 في مقر وزارة الإعلام الحالية


لقد ظهر التميز العماني إبان احتلال العراق للكويت حيث احتفظت السلطنة بعلاقات جيدة مع العراق رغم معارضة بعض الدول الخليجية لذلك ، واستقبل جلالة السلطان في مسقط طارق عزيز نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي ( فك الله أسره ) ، مما أثار لغطا خليجيا فيما قال جلالته لطارق عزيز في ذلك اللقاء ( أرى أن المسألة خطيرة جدا وأقترح أن ينسحب العراق فورا من الكويت ويجب أن نعمل على انسحاب العراق من الكويت بما يحفظ كرامته ) وقد اقتنع طارق عزيز بما سمع ونقل ذلك إلى القيادة العراقية ولكن تأخير تنفيذ القرار أدى إلى تلك النهاية المؤسفة للجيش العراقي وهو أقدم جيش نظامي في المنطقة


وهناك نقطة أخرى هي أن بعض العرب الذين تصدوا لمصر وقرروا مقاطعتها احتاجوا لها في لحظة تاريخية فلم يكن أمامهم إلا أن يلجأوا إلى السلطنة لكي تتوسط لهم والتفاصيل تترك للتاريخ

2

لقد كانت تلك النبذة عن استقلالية القرار العماني ضرورية للرد على بعض الأخطاء التي وقع فيها أندرو هاموند في وكالة رويترز يوم الخميس 16/4/2009 في تحقيق صحفي بعنوان ( عمان تتقارب مع إيران وقلقة من التأثير السعودي ) حيث ذكر أن السلطنة انضمت في هدوء إلى دولة قطر في خلاف الدوحة الحاد مع السعودية بشأن كيفية التعامل مع إيران تلك القوة الصاعدة ، وأن عمان حضرت قمة غزة التي عقدت في الدوحة في مثال على إفساد دول خليجية عربية صغيرة الموقف الموحد من إيران الذي تتوق إليه الرياض بشدة


وفي حقيقة الأمر إن هذا الكلام بعيد عن الصحة لأن السياسة العمانية تنبع من داخل عمان ولا تمليها عليها لا الدول المجاورة أو غيرها ، ثم إن العلاقات العمانية الإيرانية قديمة جدا قدم التاريخ نفسه وقد مرت بفترات شد وجذب ولكنها لم تنقطع ، وفي العصر الحديث حافظت السلطنة على علاقات جيدة مع إيران الإمبراطورية وإيران الجمهورية ، ففي الوقت الذي ساند فيه شاه إيران الراحل السلطنة ضد المتمردين في الجنوب أقامت السلطنة علاقات جيدة جدا مع الثورة الإيرانية ، وكان معالي يوسف بن علوي بن عبد الله ثاني مسؤول عربي يقابل الإمام الخميني بعد الرئيس ياسر عرفات في البدايات الأولى للثورة الإيرانية مما أثار تساؤلات كثيرة خاصة في دول الجوار ، كيف استطاعت عمان أن تصل بهذه السرعة إلى قادة الثورة الإيرانية وإلى الإمام الخميني بالذات ؟


ولقد حافظت عمان في الوقت نفسه على علاقات جيدة مع إيران والعراق رغم الحرب بينهما في وقت كانت كل دول الخليج تقاطع طهران مما أغضب دول الخليج والعراق لأن مصلحة البلد فوق أي اعتبار ولأن السياسة العمانية تنبع من الداخل


لذا من الخطأ ما ذهب إليه أندرو هاموند من أن السلطنة انضمت إلى دولة قطر في خلافها مع السعودية في إقامة علاقات من إيران لأن العلاقات العمانية الإيرانية قديمة بل يجب القول إن قطر هي التي أصبحت تطبق السياسات العمانية علنا بينما السلطنة تفضل الهدوء ، وقد سبق لجلالة السلطان أن قال لتريم عمران في جريدة الخليج في الثمانينيات من القرن الماضي والحرب على أشدها بين العراق وإيران ( إن الفرس موجودون هنا من آلاف السنين وسيبقون ، وكذلك نحن موجودون هنا من آلاف السنين وسنبقى ) وهذا كلام بليغ يعني أن لا فائدة للعداء بين الطرفين بحكم الوجود التاريخي لنا وبحكم ضرورات التعايش السلمي بيننا مع ما يربط بيننا من عقيدة الدين والتاريخ والمصير المشترك

3

من الأخطاء التي وقع فيها أندرو هاموند في تحقيقه ذلك لوكالة لويترز أنه حاول أن يظهر المسألة كلها وكأنها مذهبية ، وهذا للأسف أصبح شائعا الآن كثيرا بين العرب أو المسلمين أنفسهم بأن يحولوا كل شيء إلى خلاف مذهبي حتى لو أن الأمر يتعلق بكرة القدم ، وأصبح تأييد أي أحد لأي قضية ينبع من المذهبية فقط فلا يمكن أبدا أن يقف المرء مع حسن نصر الله لأنه شيعي حتى لو أن قضيته عادلة ، وكذلك لا يمكن للمرء أن يقف مع حماس لأنها سنية حتى ولو أن قضيتها عادلة والعدو في كلا الحالتين واحد هو إسرائيل ، وهذا ما جعل من الكثيرين يأخذون مواقف من إيران ويعتبرونها العدو بسبب الاختلاف المذهبي فقط وكل ذلك لمصلحة العدو الحقيقي للأمة سابقا وحاليا ومستقبلا ، وهذا ما أشار إليه رئيس الكيان الإسرائيلي شيمون بيريز ونشر في الصحافة العبرية عندما علق على خلاف مصر مع حزب الله قائلا إن الحرب بين السنة والشيعة في المنطقة قادمة ، وأنا للأسف أصدقه لأنهم هم المخططون ونحن المنفذون فقط ولا ندري عن مصلحتنا شيئا وإننا من الهشاشة بمكان ، والأخطر أنهم لا يقولون شيئا إلا ويحدث فيما بعد !


لقد ذكر هاموند أن عمان ( تحمي من يبتهلون بالدعاء في مقبرة يعتقد أنها للنبي عمران في صلالة والتي تتمتع بحماية مكيفة الهواء من قبل السلطات المحلية ، ويرى أنه نموذج للهوية الثقافية المنفصلة التي تحميها عمان بمشاعر غيرة من جارتها السعودية التي يرفض مذهبها الوهابي السني مثل هذه الممارسات ) وهذه أيضا من المغالطات الكبيرة فهذا القبر موجود قبل إقامة المملكة العربية السعودية وهو من المزارات القديمة ، والمذهب الإباضي يتفق تماما مع الوهابية بأن القبور تزار للاتعاظ والعبرة فقط لا للتبرك أو التوسل ومن يتبرك أو يتوسل بالقبور أو بالأموات فإنه في حكم المشرك حسب فقه وعقيدة المذهب الإباضي ، ولكن هذا من التسامح الذي تبديه الحكومة العمانية مع كل مذهب أو دين أو ملة ولا ينبغي ربط ذلك بالسعودية كما ذهب إلى ذلك هاموند


ونقل مراسل رويترز في تقريره تصريحا لدبلوماسي غربي في مسقط أن عمان أكثر قلقا من التأثير السعودي على المجتمع من قلقها من إيران واعتمد هذا الدبلوماسي على قرار السلطنة بتحري هلال ذي الحجة العام الماضي بدلا من اتباع السعودية في ذلك وأن هذه الواقعة أظهرت بالنسبة لعمان أنه يجب ألا يسمح بأن يسود التأثير الديني السعودي وأنه من الممكن أن تؤثر الوهابية على التماسك الاجتماعي ، وأن عمان تتبع تعاليم المذهب الإباضي الذي يعتبره علماء الدين السعوديون زندقة !


وفي واقعة تحري هلال ذي الحجة فقد سبق الحديث عنها وقد كتبت فيها 3 مقالات في (الشبيبة) ولا داعي لإعادتها لأن عمان كانت تتحرى الهلال بنفسها إلا أن الحكومة رأت أن تتبع أم القرى بضع سنين إلا أن هذه السنين اعترتها الأخطاء في تحديد الرؤية حسب الحسابات الفلكية ورأت أن تعود إلى تحري الهلال باجتماع لجنة الأهلة وتلقي البلاغات من المواطنين مع ربط ذلك بالحسابات الفلكية ، وهي في ذلك ليست بدعا من الدول فإن العديد من الدول الإسلامية تتحرى الهلال بنفسها منها باكستان وأندونيسيا وهما دولتان سنيتان مهمتان إضافة إلى دول المغرب العربي ، فهل هذه الدول على خلاف مع السعودية ؟ والعلماء السعوديون الكبار مثل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقرون باختلاف المطالع في رمضان وفي ذي الحجة وفتاواهم منشورة ، ومع ذلك فإن السعودية قد خطت الآن خطوات جيدة تحسب لها وذلك بعدما أعلن معالي محمد العيسى وزير العدل السعودي من خلال جريدة الشرق الأوسط اللندنية الثلاثاء الماضي 28/4/2009 عن انتقال مسؤولية إثبات الرؤية الشرعية للهلال إلى المحكمة العليا وذلك بعد أن كانت الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى هي المسؤولة عن هذا الملف المثير للجدل على مدى سنوات ماضية .


وأعلن الوزير السعودي عن قرب انتهاء الجدل العلمي حول مسألة إثبات رؤية الهلال خاصة في المواسم الدينية كشهر رمضان والحج ، وهذه خطوة جيدة ستعمل على توحيد الرؤية إذ أن الحسابات العلمية أصبحت دقيقة جدا ، ثم إن المجتمع العماني مجتمع متماسك وموحد وبعيد عن كل النعرات والتعصب بفضل سياسة التسامح التي انتهجتها الدولة سواء في حرية اعتناق المذاهب أو حتى الأديان وهي حقيقة لا يستطيع أن ينكرها مواطن أو زائر أو مقيم مما أدى إلى هذا الاستقرار الذي ننعم به بفضل الله


والتاريخ يشهد بأن عمان ظلت بمنآى عن أي خلافات طائفية أو مذهبية ليس في الوطن الأم فقط بل حتى في الممالك التي كانت تابعة للحكم العماني والعلاقات العمانية السعودية علاقات جيدة وهي تاريخية ومصيرية مثلها مثل العلاقات مع إيران ، والسياسة المتبعة في عمان هي أنه لا مساس للوحدة الوطنية ومن يخالف ذلك يعاقب حسب القانون من أي مذهب كان والشواهد كثيرة على ذلك ، والمنطق يقول - وقوله حق – لا يمكن لأي مواطن عماني من أي طائفة أو مذهب كان أن يعيش على خيرات الوطن ويكون خيره وولاؤه لدولة ثانية ، وهذا ينطبق على دول العالم أجمع ، ومن هنا فإن قرار تحري هلال ذي الحجة قرار عماني محلي بحت لا علاقة له بالسعودية أبدا – كما ذهب إلى ذلك مراسل رويترز - .


إن رويترز اعتمدت كثيرا على التركيز على المذهبيات لدرجة أنها ذكرت في تقرير آخر من الرياض أن التغيير الوزاري في السعودية موجه إلى إيران وفي الحقيقة هو شأن سعودي داخلي بحت لا علاقة له بإيران أبدا

4

من النقاط المضيئة على المستوى الشخصي ، هي أن أندرو هاموند استشهد بمقال لي في جريدة (الشبيبة )عندما قال في تقريره ذلك ( إن معلقين عمانيين ينتقدون دولا خليجية عربية أخرى صراحة لتشبثها بالولايات المتحدة بوصفها حاميها الوحيد وهي السياسة التي تؤيدها السعودية منذ عقود ، وكتب زاهر المحروقي في جريدة (الشبيبة) العمانية اليومية الأسبوع الماضي يقول إنه حين تتحسن العلاقات بين أمريكا وإيران كما هو متوقع ستدفع دول الخليج الثمن مجددا وأضاف أن إيران باتت أكثر قوة وهي اللاعب الرئيسي الوحيد في المنطقة ) واليوم يسعدني أن يطلع أندرو هاموند على مقالي هذا لعل فيه بعض التوضيح حول استقلالية السياسة العمانية وتجانس المجتمع العماني ويجدر به أن يقرأ مقالا كتبه حسنين كروم في جريدة ( المصري اليوم ) عدد 7/2/2007 عن علاقات دول الخليج العربية مع إيران حيث قال إن عُمان تتميز بوجود تراث ثقافي ومذهبي لديها وبالتالي فهي مؤهلة لدور التخفيف من حدة الصراع المذهبي في المنطقة لأنها لن تغير سياساتها الراسخة .

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة