site meter

search

Google

result

Tuesday, December 2, 2008

الهلال واختلاف الآراء في بداية كل شهر هجري


زاهر بن حارث المحروقي

كاتب عماني


1

في الوقت الذي يشهد فيه العالم قفزات هائلة في مجال العلم بميادينه كافة ومنها علوم الفلك ، تتكرر نفس الأحاديث في الأمة العربية والإسلامية لدرجة تبعث الملل في النفس ولا تكاد تتغير عن رؤية الهلال ليلة الأول من رمضان وليلة الأول من شوال وليلة الأول من ذي الحجة وكذلك ليلة تحديد غرة المحرم وهو الشهر القمري الأول في السنة الهجرية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، ويتجدد الجدل حول إمكانية الاعتماد على الحسابات الفلكية ( وهي دقيقة جدا الآن ) أو الاعتماد على الرؤية البصرية فقط ( وهي متعذرة غالبا ) ، وكأن الأمة لا تعلم ولا تعرف أن هذه المواسم تتجدد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .


مما يذكرني بأحد المعلقين الرياضيين عندما كان يعلق على مباريات كرة القدم ، فإذا صفر الحكم معلنا انتهاء المباراة إذا به يصرخ بأعلى صوته باستغراب ( ويصفر ويصفر الحكم !!!) كأن صفارة النهاية غير متوقعة أبدا وكأنها الاستثناء الوحيد في المباراة ، ويبدو أن هذه المسألة لن تقف أبدا طالما أن العلماء لم يتفقوا على رأي واحد أو أن السياسيين أصحاب القرار لم يتدخلوا لوضع حد لهذه المسألة التي أصبحت تثير الآن فتنة بين المسلمين هم في الأساس في غنى عنها لأن ما يحيط بهم من الفتن والانقسام يكفي ، وأن الحطب لا يحتاج إلى زيادة حتى يشتعل أكثر وخير دليل على هذا الانقسام ما حدث في عيد الفطر الماضي.

2

إن ظهور مصطلح الفتنة المذهبية في المنطقة ليس إلا نتاجا للاحتلال الأمريكي للعراق لأن الاحتلال لجأ إلى تعميق الفجوة بين الشيعة والسنة هناك ، ثم تحولت الفتنة إلى المنطقة كلها وذلك بإعلان عاهل الأردن أن إيران تسعى لإقامة هلال شيعي في المنطقة وما قاله الرئيس المصري إن ولاء الشيعة العرب ليس لأوطانهم ولكن ولاءهم لإيران ثم إعلان السعودية بأنها ستتدخل في العراق لصالح السنة ، ثم انقاد عالم جليل مثل الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي إلى الفتنة بتصريحاته التي لم تهدأ زوبعتها حتى الآن عن نوايا الشيعة في الانتشار في المناطق السنية ، والأغرب والأمرّ من ذلك أن يقول الرئيس الإسرائيلي وهو يحضر مؤتمر الأديان في نيويورك إن العرب منقسمون بين سنة وشيعة وكأنه يدغدغ مشاعر بعض من يجلس أمامه في إشارة واضحة أن العدو الآن هو إيران ويجب أن ينتبه إلى ذلك العرب والمسلمون ، وقد سبق لي وأن قلت أكثر من مرة في جريدة "الشبيبة" إننا للأسف ننظر دائما إلى النتائج وننسى المقدمات.


لقد كان عيد الفطر الماضي أكثر وضوحا في انقسام المسلمين ، ففي مصر التي اشتهرت منذ زمان بالاعتدال والوسطية وكان علماؤها منارات الهدى يهتدى بهم وكان العالم يأخذ منهم الإسلام الصحيح ، احتفل المصريون بعيدين حيث أعلنت دار الإفتاء أن الثلاثاء هم المتمم لشهر رمضان المبارك فأكمل الناس صيامهم ، فيما كان مصريون آخرون من أعضاء مجموعات سلفية وجماعات إسلامية يحتفلون بالعيد ، فانقسمت مصر بين كثرة صائمة وقلة مفطرة مستندة إلى إعلان السعودية بأن الثلاثاء هو غرة شوال


وما حدث في مصر حدث أيضا في اليمن حيث احتفل اليمنيون لأول مرة بعيدين أوله يوم الثلاثاء وهو اليوم الذي أعلنته السلطة تبعا للإعلان السعودي والثاني يوم الأربعاء الذي احتفلت به الغالبية الزيدية في محافظة صعدة والحديدة والعديد من المحافظات اليمنية الأخرى ، وكل ذلك بسبب الأبعاد المذهبية والتي جاءت نتيجة للخلافات السياسية حيث تزعم أتباع حركة الحوثي التيار المخالف للسلطة في توقيت العيد . أما في العراق فقد كانت هناك ثلاثة أعياد أحدها للسنة والآخران للشيعة الذين انقسموا مع مراجعهم حيث احتفل البعض بالعيد يوم الأربعاء والبعض يوم الخميس ، وما حصل في مصر واليمن والعراق حصل في لبنان وباكستان والهند وبنجلاديش وغيرها ، مما يثير تساؤلا : لمصلحة من هذا الاختلاف وهل الموضوع يحتاج إلى هذا التفرق وقد قال العلم كلمته ؟


أن يصوم كل بلد بمفرده ويفطر بمفرده شيء قد يكون مستساغا علميا وفقهيا ، ولكن أن تصل الأمور بأن تفطر كل جماعة في بلد واحد على حدة وتحتفل كل جماعة بعيدها فهذا هو قمة الانقسام وبالتالي فإن هذا يلغي أفراح العيد ومغزى الاحتفال به

3

لقد تطور علم الفلك الآن بما لا يدع مجالا لأي شك وباستطاعته أن يحدد لألف سنة مقبلة أو ماضية الكسوف والخسوف بكل دقة وباستطاعته أن يحدد لحظة اقتران القمر وميلاده وظهوره ليس بالدقيقة فقط بل بجزء من الثانية ، وقد رأينا كيف حدد بدقة الكسوف والخسوف حتى إنني قرأت في إحدى مواقع الفلك تاريخ وفاة إبراهيم ابن سيدنا محمد "صلى الله عليه وسلم" بالتاريخ الميلادي حيث حدث في ذلك اليوم كسوف للشمس ، والمطلوب الآن هو مسايرة العلم لا الانغلاق لأن من يرفض علم الفلك في إثبات الرؤية كمن يرفض استخدام الهاتف أو ركوب الطائرات والسيارات واستخدام الهواتف وكل وسائل التكنولوجيا الحديثة ، أو كمن يرفض استخدام الآلة الحاسبة في عمليات الحساب ليعتمد على تحريك أصابعه أو كالذي يرفض رفع الأذان من مكبرات الصوت


وأصور من يرفض الاعتراف بعلم الفلك أيضا ويصر على حديث ( صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ) باعتباره الأساس في ثبوت الرؤية كمن قال لزميله إذا رأيت فلانا فسلّم عليه ، ولكن هذا الزميل لم ير ذلك الفلان وإنما حدثه بالهاتف ، فهل معنى هذا أنه غير موجود ؟!


إن أنظار العالم الإسلامي تتجه إلى السعودية لأنها مهبط الوحي وشرّفها الله بالحرمين الشريفين وفيها مرقد سيد الثقلين "صلى الله عليه وسلم" ، هذا إضافة إلى أن هناك أناسا يتلقون كل ما يأتي من السعودية - خاصة في مجال الفتوى - باعتباره الدين الصحيح ويترددون كثيرا في رفض بعض الفتاوى حتى تلك التي تعارض العقل وتتنافى مع المنطق


وهذا بدوره يحمّل السعودية بل يعطيها مسؤولية أكبر ويحتّم عليها أن تعتمد علم الفلك حتى يتوحد المسلمون في صيامهم وأعيادهم ، والمسألة سهلة بعد أن نقلت وكالات الأنباء والصحف العالمية نجاح عالم تونسي مستشار في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا في اختراع منظار الكتروني متطور قادر على التقاط صور الهلال حال ولادته مما يؤكد رؤيته ولا يترك مجالا لأي شك أو تضارب أو خطأ ومما سيؤدي إلى فك طلاسم ظهور الهلال وبالتالي قد يفتح الأبواب على مصراعيها أمام اتفاق المسلمين وتوحدهم على الأقل في ثبوت شهر رمضان وحلول عيد الفطر وكذلك شهر ذي الحجة وغرة المحرم


وقال العالم التونسي محمد الأوسط العياري لموقع ( الجزيرة نت ) إن عددا كبيرا من خبراء العالم في مجال علم الفلك والهندسة الفضائية صادقوا على المنظار الالكتروني الكوني أثناء اجتماعهم في الملتقى العلمي السنوي الذي عقد خلال شهر يونيو الماضي ، واقترح أن تكون مكة المكرمة هي مركز المنظار ، وهذا بحد ذاته مؤشر جيد لوضع حد لهذه المسألة التي تؤرق الغيورين على الدين

4

لقد جاء بيان لجنة الأهلة يوم الجمعة الماضي بأن السبت هو المتمم لشهر ذي القعدة غير متوقع أبدا - على الأقل بالنسبة لي - حيث بدا البيان وكأنه قد خالف توقعات الفلكيين الذين أعلنوا أن السبت هو غرة ذي الحجة ، وقد جاء البيان في وقت أثيرت فيه تساؤلات كثيرة حول اعتماد السلطنة هذا العام الحسابات الفلكية في ثبوت رؤية هلال شهر ذي الحجة وصلت هذه التساؤلات إلى حد اللغط والاتهامات المبطنة


جاء البيان ليعطيهم فرصة اللغط أكثر خاصة أنه جاء مخالفا للتقويم السنوي المعد من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية نفسها وبإشراف فلكي له سمعته مثل محمد بن سالم البوسعيدي الذي أكد أن الرؤية كانت شبه مستحيلة في ذلك اليوم وهذا بدوره أدى باللجنة أن لا تتلقى أية اتصالات بثبوتها.


وفي حقيقة الأمر فإن السلطنة اعتمدت الحسابات الفلكية منذ فترة طويلة وكان المشايخ يربطون ويوازنون بين أقوال الشهود وعلم الفلك ، -وهذا ما تم يوم الجمعة الماضية - إلا أنهم كانوا يقعون في مشكلة حول هذا الشهر الفضيل لأنه يصادف الحج والوقوف في عرفة ، وقد اعتمدت السلطنة في دخول الشهر على السعودية لبضع سنوات ولكن ماذا حدث في العام الماضي ؟ لقد أدى اتباع السعودية بالسلطنة أن تخطئ لمدة ثلاثة أشهر حتى اعتدل التاريخ من جديد وذلك في شهر ربيع الأول ، وكثيرا ما يحدث أن تغير السعودية التاريخ خلال الأيام الأولى من الشهر مما يوقع الكثيرين في حرج


ولقد تحدث الكثيرون عن أن الحج عرفة فكيف لنا أن نختلف مع السعودية ؟ ولكن لم يقل أحد من المسؤولين العمانيين أو المشايخ إن على الحجاج العمانيين أن يقفوا بعرفة في يوم آخر ! وهنا معنى الحديث الشريف لكل قوم هلالهم ، وقد فات هؤلاء سؤال مهم هو لماذا لا تكون السعودية هي التي تغير حسابها خاصة إذا كانت الرؤية غير مؤكدة حسب رأي الفلك ؟!وكان السؤال الذي يجب أن يطرح أيضا هو ما ذنب من يقف بعرفة في يوم خاطيء مثلا ؟! إن ( الحج عرفة ) كما أخبر بذلك من لا ينطق عن الهوى "صلى الله عليه وسلم" لا يدل على أن العالم لو اتفق مع هلال السعودية فإن ذلك يعني أن الكل حاج سواء من وقف في مسقط أو القاهرة أو طهران في ذلك اليوم ، إنما الحديث يدل على من وقف بعرفات ذلك اليوم هو الحاج فقط ليس من وافق تاريخه تاريخ الوقوف بعرفة ووقف في أي مكان من العالم !


هناك من ركز في منتديات الحوار على أن المذهبية هي التي حددت بداية الشهر ، لكن كل منصف - إن كان يريد أن يرضي الله سبحانه وتعالى - يعلم علم اليقين أن السلطنة بعيدة عن التعصب المذهبي أو غيره ، شهد بذلك من عاش في السلطنة أو زارها ، والناس يعيشون في سلام ووئام ونحن في غنى عمن يريد أن يثير النعرات الطائفية أو المذهبية ، وقد رزقنا الله حاكما حكيما اعتمد على مبدأ الكفاية لا على مبدأ المذهبيات أو الطوائف أو الأقليات وهي كلمة ممنوع استخدامها في الإعلام العماني باعتبار أن الكل سواسية ، فلا أقلية أبدا ولا حكر على المناصب السيادية لطائفة أو مذهب معين . وجلالة السلطان هو أب الجميع ، ومن يريد أن يقارن بيننا وبين الآخرين فالمجال مفتوح ومتاح له ، ومن ثم فإننا نسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن لأن ما شاهدناه في العالم الإسلامي الآن من الانقسامات وما أدت إليه من مذابح بين أبناء الملة الواحدة يكفينا واعظا.

5

هناك الآن إشكالية كبيرة بين الفقه الحديث والفقه التقليدي الذي سماه الشيخ محمد الغزالي رحمه الله بفقه البداوة ، لأن الفقه التقليدي يرفض الأخذ بأسباب العلم الحديث في وقت تجد فيه فقهاءه أكثر الناس استخداما لوسائل التكنولوجيا الحديثة ، وقد أعجبتني مقالة كتبها يحيى الأمير في صحيفة الوطن السعودية تحت عنوان ( رؤية الهلال .. إنها ليست مسألة فقهية فحسب !) أعاد موقع ( العربية نت ) نشرها.حيث يرى أن الحياة الحديثة أوقعت الفقه التقليدي أحيانا كثيرة في حرج واسع لم يستطع منه إلا أن يلجأ لأبرز وأسهل الأحكام والتي تشير إلى البحث عن السلامة والهدوء والبقاء في الساكن ، وكلها أحكام تدور حول التحريم والرفض والممانعة فقط وقال ( إن نظرة يسيرة تشير إلى أن رؤية الهلال لا يجب أن تكون قضية فقهية على الإطلاق ، ذلك أن كل أدوات قراءة الهلال وحركة النجوم والأفلاك هي مسألة علمية بحتة ، قد يستعين بها الفقيه كما يستعين القاضي بالطبيب الشرعي أو بأجهزة التصوير الإشعاعي لإصدار حكم معين


منقولة من جريدة الشبيبة الصادرة في 2 ديسمبر 2008م

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة