site meter

search

Google

result

Wednesday, February 20, 2008

أبو تريكة و غزة


زاهر بن حارث المحروقي

كاتب عماني


" 1 "

الواحد لا يملك إلا أن يتعاطف مع المواطنين العرب ، لأنهم يبحثون عن أي شيء يفرحهم في حياتهم ، ولا يهم أن يكون هذا الشيء أي شيء ! ومن هنا لا نستطيع أن نتصور فرحة الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط بفوز المنتخب المصري الشقيق بكأس الأمم الأفريقية في غانا ، وهو فوز مستحق وبجدارة ،وهي فرحة عربية مستحقة بل وواجبة ، فقد جلس الكل ليلة المباراة متحلقين حول الشاشات يتابعونها باهتمام وتوحدت كل المشارب في تشجيع المنتخب المصري . وكان المواطنون العرب قد تفاعلوا أيضا مع حركة محمد أبو تريكة لاعب المنتخب المصري لكرة القدم عندما سجل هدفه الثاني ضد المنتخب السوداني في نفس البطولة إذ عبر عن فرحته بأن كشف عن فانلة بيضاء داخلية مكتوب عليها باللغتين العربية والإنجليزية ( تعاطفا مع غزة ) ، وقد أثارت هذه اللفتة فرحة جماهيرية عربية واسعة فاقت كل التصورات وانبرى كبار كتاب الأعمدة في الصحف المصرية يكتبون عنها ونشرت العديد من المدونات على شبكة النت الحادث وتوالت الردود والتعقيبات بصورة أنست الناس البطولة الأفريقية نفسها .


وفي غزة شارك العشرات من الأطفال في مهرجان شعبي لتحية نجم كرة القدم المصرية محمد أبو تريكة رغم المأساة التي يعيشونها ، ونظمت مدرسة نادي الهلال مهرجانا احتفاليا ضمن فعاليات الشكر والتقدير والاعتزاز. وقال عامر أبو رمضان رئيس نادي الهلال في غزة إن هذا الاحتفال يأتي ردا على ما قام به أبو تريكة واعترافا به كموقف يحمل معاني التضامن مع الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة ، مشيرا إلى أن اللاعب يزداد يوما بعد يوم محبة وتعلقا من قبل الجماهير العربية والإسلامية بعد حصوله على جائزة أفضل الشخصيات المحبوبة لدى الشباب العربي والإسلامي .


" 2 "


ولكن إسرائيليا كيف كانت ردود الفعل ؟ لقد شنت وسائل الإعلام الإسرائيلية حملة عدائية على نجم المنتخب المصري وطالبت الاتحاد الإفريقي بمعاقبته على خلفية خلعه لفانيلته لاظهاره تعاطفه مع غزة ضد ممارسات قوات الإحتلال الإسرائيلي ، حيث نشر موقع صحيفة معاريف الإسرائيلية صورة كبيرة لأبو تريكة عقب تسجيله الهدف الثاني وقالت بلهجة ساخرة في العنوان ( لماذا نقول لا للسياسة الآن ؟ فأبو تريكة أقحم بالفعل السياسة في الرياضة ) وأشارت الصحيفة إلى أن أبو تريكة هو اللاعب الأكثر شهرة ومحبة حاليا لدى الجماهير العربية مما يستدعي التوقف بقوة أمام ما قام به في مباراة مصر والسودان . وفي محاولة واضحة لحث اللجنة المنظمة للبطولة على معاقبة أبو تريكة وجهت الصحيفة الإسرائيلية سؤالا للجنة المنظمة للبطولة الإفريقية وللفيفا ماذا سيكون رد فعل اللجنة المنظمة والفيفا الآن تجاه اللاعب ؟ وفي ذات السياق رصدت جريدة النبأ المصرية العديد من ردود الفعل الإسرائيلية وذكرت أن القناة الإسرائيلية العاشرة رأت في تعليق لها أن أبو تريكة أقحم السياسة والدين معا في بطولة رياضية خلافا للقواعد المتعارف عليها واستشهدت القناة بتصريح نقلته وكالات الأنباء لأبو تريكة قال فيه إن ما قام به جاء تعاطفا مع أهلنا في غزة لأننا جميعا عرب ومسلمون ، وفي اتجاه آخر ربط موقع (وان) الرياضي الإخباري الإسرائيلي بين حركة أبو تريكة والحركة التي قام بها لاعب منتخب غانا جون فنستيل في كأس العالم الأخيرة في ألمانيا 2006 عندما رفع العلم الإسرائيلي عقب إحراز فريقه هدفا في إحدى مباريات المونديال تعبيرا عن حبه لإسرائيل التي يلعب في أحد أنديتها ، ووجه الموقع رسالة للفيفا تقول وجهتم تحذيرا شديد اللهجة للاعب الغاني بعدم إبراز أي مدلول سياسي في المباريات فهل ستقومون بالأمر نفسه مع اللاعب المصري ؟!


" 3 "


ولكن لماذا أثار هذا التصرف كل هذه الضجة من الناحيتين العربية والإسرائيلية ؟


عربيا أستطيع أن أفهم أن العرب الآن يبحثون عن بطل بأي ثمن حتى ولو كان ذلك في مجال كرة القدم أو الغناء أو غير ذلك ، فطالما أنه لا يوجد من قال لإسرائيل لا و لا يوجد من استطاع أن يوقف الهجمة البربرية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني وطالما أن العرب كل يوم يقدمون تنازلات تلو تنازلات فلا بأس أن يظهر لاعب كرة القدم ويرفع فانيلة مكتوب عليها كلمة ( تعاطفا مع غزة ) ، وذلك أضعف الإيمان .


هناك نقاط كثيرة ربما تجعل المواطن العربي يتعاطف مع حركة مثل هذه والتي في رأيي لا تسمن ولا تغني من جوع ، منها مثلا أن ذلك التصرف من أبو تريكة عبر عما يجيش في صدور المواطنين العرب ضد الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين ، وأن أي رد فعل عربي رسمي حقيقي لم يصدر على حصار وتجويع بل وإبادة مليون ونصف مليون من مواطني غزة. ومن أجل ذلك رأى الدكتور فوزي عبد المقصور في مقال كتبه لجريدة النبأ المصرية تحت عنوان زلزال أبو تريكة أن اللاعب المصري حقق بهذا التصرف ما لم تحققه كل أجهزة الإعلام العربية على مدى أسابيع وما لم تحققه كل البيانات العربية الرسمية طوال فترة الحصار ، فقد نجح أبو تريكة في أن يجعل العالم كله يتكلم عن غزة وما يدور فيها وجعل صحف إسرائيل تنشر في صدر صفحاتها الأولى كلمات صارخة تنم عن الغضب والغيظ. إسرائيليا إننا فعلا نستطيع أن نستغرب لماذا تثور كل هذه الضجة وإسرائيل تسيطر على كل شيء ولها القرار والسيادة لا على غزة فقط بل حتى على قرارات الدول العربية ؟!


إن الإسرائيليين يعلمون حجم التأثير الإعلامي والشعبي الذي أحدثه تصرف أبو تريكة ، وقد كان من نتيجة ذلك أن تحرك العرب في كل مكان وخرجت عقب المباراة مئات الألوف من الرسائل الألكترونية إلى موقع الفيفا تطالب بعدم توقيع أي عقوبة على اللاعب ، وفي موقع العربية نت مثلا فقد أثار هذا الموضوع العديد من التعقيبات من العالم أجمع كلها تؤيد تلك الحركة وتتكلم عن مأساة غزة . إن إسرائيل تعلم أن محمد أبو تريكة نجم عربي كبير الآن وهي تحاول دائما أن تستميل النجوم لصالحها ، وكانت إحدى الصحف الإسرائيلية قد كتبت قبل البطولة الأفريقية تقريرا عن أبو تريكة تحت عنوان أبو تريكة أسطورة كرة قدم حقيقية ، وتضمن مديحا كبيرا له وزعمت صحيفة هاآرتس أن أبو تريكة يحب دوما الظهور في صورة الشخصية النموذجية وينعكس ذلك من خلال تصريحاته الإعلامية ، لذا فإن إسرائيل تحاول دائما الإستفادة حتى من النجوم لصالحها .


تحية للمنتخب المصري ، ومبروك الكأس لمصر وللعرب أجمعين وتحية لمحمد أبو تريكة ، وتحية لهدف البطولة أمام منتخب الكاميرون ، وتحية للاعب محمد زيدان الذي صنع الهدف ، فقد لعب المنتخب المصري بوطنية ، وقديما قال عمر بوراس عندما كان مدربا لنادي فنجا أيام عزه ، قال إن اللاعب الذي يلعب بغيرة ووطنية أفضل من صاحب المهارات ، وبانتظار البطل فإننا سنبقى نحيي لفتة أبو تريكة


منقولة من جريدة الشبيبة العمانية الصادرة في 19 فبراير 2008م

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة