site meter

search

Google

result

Thursday, February 14, 2008

مسقط العامرة

مسقط - باسم البكور الحياة - 25/11/07//
--> «ها نحن نحطّ في رحاب مسقط العامرة»، قالها قبطان الطائرة التي نقلتنا من بيروت الى العاصمة العمانية، قبيل ثوانٍ من ملامسة عجلات الطائرة أرض مطار السيب الدولي في مسقط. تتساءل: لماذا ألصق «الكابتن» العماني صفة العامرة بهذه المدينة؟ هل ثمة مبالغة في الوصف، أم انه مجرّد «غَزَل» لمدينة من ابنها البار؟
لكن ساعات قليلة تمضيها في ربوع هذه العاصمة العربية... تكفي ليزول هذا الالتباس تلقائياً.
إنها فعلاً «مسقط العامرة». عامرة بكرم أهلها البشوشين الطيبين والمضيافين. عامرة بنظافة شوارعها المزينة والفسيحة. عامرة ببياض أبنيتها الأنيقة والجميلة... وأسواقها التراثية والمنظمة. عامرة بهدوئها الطاغي وسكون جبالها الجاثمة على جنباتها كالأوتاد. عامرة بجمال طبيعتها واخضرار نخيلها... وزرقة بحرها المفتوح على المدى.
تخال للوهلة الأولى، وأنت تزور مسقط، أنك في مدينة صغيرة لا في عاصمة عربية عريقة. إذ تخلو العاصمة العمانية من ضجيج المدن الكبيرة وصخبها المزعج، وتغيب عنها ناطحات السحاب التي بدأت تجتاح مدن الخليج العربي، الصغيرة منها والكبيرة.
إنك في عاصمة عربية مختلفة. كل ما فيها يوحي بالبساطة بشتى ألوانها، على رغم الحداثة الظاهرة في تنظيم الطرق والعمران والحدائق... وسائر المرافق العامة. عاصمة تعشق التراث وتتمسّك بروحه في كل مظاهر الحياة. وكأنك في قلب لوحة تراثية منسوجة من خيوط مغمّسة بماء الذهب الأبيض.
عاصمة مسالمة
أنت في مسقط، إذن أنت متفائل. هكذا تشعر، أو هكذا ترى. فالبياض الذي يغمر أبنيتها... ينعكس عليك نقاء نفس وصفاء روح. وكأنك في عالم آخر، يسوده الأمان والاطمئنان. بل فعلاً كذلك. إذ يندر أن ترى شرطياً أو رجل أمن في زي عسكري في شوارع مسقط. حتى انك تدخل المبنى الأنيق لوزارة الداخلية من دون ان يصادفك شرطي عند المدخل أو في ردهاته الفسيحة! فتتساءل في قرارة نفسك: هل أنا في مبنى وزارة السياحة في فيينا، عاصمة سويسرا البلد المحايد عالمياً؟ لا. بل أنت في «عُمان دار الأمان».
من هنا، ربما، تفهم طبيعة العمانيين المُسالمين الذين تغمر البشاشة وجوههم الرضيّة.
أما إذا حدثتك نفسك وأنت في قلب المدينة القديمة، عن زيارة «قصر العلم» السلطاني المخصص لاستقبال الضيوف الرسميين، فلا تخف من الاقتراب. إذ يمكنك ان تدنو من مقرّ السلطان حتى أبواب واجهتيه من دون مساءلة أمنية. «بالكاد رأيت حارساً أمنياً»، تقول إحدى الزميلات والدهشة تملأ وجهها، مضيفة: «التقطتُ ما شئت من الصور للقصر الجميل والحديقة... من دون أن يعترضني أحد. هذا مقر لحاكم عربي لا تعزله الحراسة والإجراءات الأمنية»!
وحين تسأل وزير الداخلية العماني سعود بن ابراهيم البوسعيدي عن «سرّ هذا الأمان الاطمئنان الذي يعمّ أرجاء السلطنة»، يقول وابتسامة الثقة ترتسم على محيّاه: «نحن بلد مسالم ليس لدينا أعداء، لا من قريب ولا من بعيد»، لافتاً الى ان العمانيين لا يريدون إعلان حرب على أية دولة، لأننا لا نريد ذلك». لكنه سرعان ما يستطرد: «أما إذا اعتدت علينا دولة، فكل المواطنين سيدافعون عن البلاد».
عباءة التراث
وأنت تطوي شوارع العاصمة العمانية، تجد نفسك في حضن مدينة شابة، بطرقها ومبانيها وأشجارها، على رغم أنها مدينة عريقة وموغلة في التاريخ. فمسقط لم تسأم من العمر المديد. ولم تستطع القرون المتوالية ان ترسم على وجهها تجاعيد الأزمنة الغابرة. مدينة لديها نضارة الشباب... وحكمة الشيوخ.
كل ما تراه من عمران في مسقط تحسبه بني بالأمس، لشدة رونقه وأناقته ونظافته. لكن في الوقت ذاته، ترى كل عمران مدبوغاً بطابع تراثي يحاكي تاريخ البلاد وأصالة شعبها. حتى «الماكدونالدز»، سلسلة المطاعم الأميركية الشهيرة التي أصبحت رمزاً للعولمة، لبست ثوباً عمانياً قشيباً. وكذلك فعلت الفنادق العالمية والمحلية والمراكز التجارية ومباني الوزارات والسفارات والهيئات العامة.
أما الأبنية السكنية، فلم تصبها لوثة الحداثة الغربية المستوردة. وسواء كانت البيوت قديمة أم حديثة، لا بد ان تحمل شيئاً من التراث العماني تعكسه أشكال النوافذ أو الشرفات والقناطر الصغيرة أو سطوح الأبنية المزخرفة في أطرافها الخارجية. فترى ملامح العمارة الإسلامية واضحة بخطوطها المنسرحة، وأقواسها، وعقودها المخموسة والنصف دائرية أعلى فتحات الأبواب والنوافذ، فضلاً عن «المشربيات» والمنمنمات ذات الوحدات المتكررة، المصنوعة من الخشب أو الألومنيوم أو الجصّ في الواجهات والأسوار والقلائد، بحيث تشكل كلها نسيجاً معمارياً متجانساً ولا أروع.
--> وليس خافياً ان سرّ هذه اللوحة المعمارية الكليّة المتناسقة في العاصمة العمانية يكمن في التنظيم المدني والتخطيط الدقيق الذي وضعته بلدية مسقط وتنفذه بإتقان بالغ. إذ فرضت البلدية شروطاً وضوابط صارمة في ما يتعلق بالمخططات المعمارية التي تعدّها المكاتب الهندسية في العاصمة، فيما يلتزم بها المقاولون الذين يتولون تنفيذ تلك المخططات بدقة متناهية، خصوصاً لجهة واجهات المباني وأشكال النوافذ والأسوار والمداخل وغيرها من العناصر التي تؤثر على الشكل الخارجي للمبنى. علماً ان المباني السكنية لا يزيد علوّها عن الطابقين، فيما يغلب اللون الأبيض أو الترابي الخفيف على كل الأبنية. ويشكل كل مبنى سكني وحدة متناسقة مع بقية الوحدات، في إطار اللوحة الكلية التي تزينها الأشجار والأزهار والنباتات بنضرتها الزاهية. وليس غريباً ان تحصد بلدية مسقط الكثير من الجوائز العالمية في مجال التنظيم المدني للعاصمة، فضلاً عن تجميلها وتخضيرها وتشجيرها.
عبق التاريخ
لأسواق مسقط التراثية القديمة سحر خاص. ولعل أشهرها «سوق مطرح» التي تشبه إلى حد ما سوق مدينة أنطاكية. تشعر وأنت تدخل السوق ذات السقف الخشبي المزخرف أنك تسافر عبر آلة الزمن الى عصور غابرة. كل شيء هنا له نكهة ورونق وطابع مميّز.
كأن «سوق مطرح» خارجة للتوّ من كتاب التاريخ. روائح البخور وألوان العطور العربية الآسيوية تملأ المكان. وكلما توغلت أكثر داخل السوق وأزقتها المتفرّعة... ازددت رجوعاً الى الأزمة السالفة الجميلة.
الدكاكين القديمة مصطفة على جانبي السوق. الغالبية الساحقة من الباعة من شرق آسيا، لا سيما باكستان والهند. أما البضاعة المتوافرة فلا تعدّ ولا تحصى. كأنك في سفينة نوح تجارية. ألبسة شعبية، وأخرى تراثية، حاجات منزلية... وغيرها. لكن الأهم هي دكاكين اللبان (العطور) والحنة والفضة والتحف والبخور والمنتجات الحرفية والسجاد والبهارات والتوابل العمانية، ما يجعل التجوال في «سوق مطرح» متعة للبصر والأنف معاً. إنها حاضرة شعبية واجتماعية واقتصادية مهمة بالنسبة الى العاصمة العمانية. وعلى رغم ذلك، ترى السوق غاية في النظافة والتنظيم.
هنا في «سوق مطرح» تصادف آلاف السياح الأجانب يومياً. ينظرون الى كل شيء بانبهار. الدهشة مرسومة على الوجوه، و»سحر الشرق» يأخذ عقولهم وأفئدتهم. إنه مكان يعكس الملامح العمانية في مختلف وجوه الحياة، سواء تلك الماضية المتميزة بالعفوية والبساطة، أو الحياة العصرية المتمسّكة بأهداب الماضي الأصيل. ولم تبخل البلدية عليه في شيء، لكونه روح المدينة. فجمّلت السوق وأضفت عليها لمسات تراثية خاصة، من خلال تزيينها بزخارف مستوحاة من التراث العماني، مستخدمة في ذلك خامات من البيئة المحلية لتحافظ السوق على طابعها الشعبي - التراثي المميّز.
تخرج من السوق من أحد مداخلها، فترى البحر واقفاً أمامك بسلام. أنت على بعد أمتار من مياهه الدافئة. إنه اليمّ الذي دفع العمانيين الى الانفتاح على العالم قديماً وحديثاً، وهو ذاته الذي أطمع فيها الغزاة. من هذه الشواطئ بدأ السندباد البحري رحلاته السبع في ألف ليلة وليلة، برفقة بحّارة عمانيين. ومن هذه الشواطئ انطلق البحار العربي (العماني) أحمد بن ماجد الذي استفاد من صحبته وكتبه البحّار البرتغالي الشهير فاسكو دا غاما في وصوله الى الهند عام 1498.
تضع البحر وراء ظهرك، فترى الجبال بألوانها البنية المتدرجة شامخة برهبة وهي تحاصر مسقط من جهات ثلاث، تاركة لها الجهة الرابعة (الشرق) تعانق منها البحر بأمواجه المتلاطمة.
هنا وقف الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة قبل نحو 650 سنة، ليعطينا وصفاً شفافاً لما رآه في عمان وعادات أهلها. فوصفهم بالتواضع وحسن الخلق وانهم «أهل تقوى ووقار ومن عاداتهم التصافح في المسجد بعد كل صلاة... ويرحبون بالغرباء ويكرّمونهم بسخاء». إنها صفات وعادات يتوارثها العمانيون أباً عن جدّ، ولا يزالون يتحلّون بها إلى اليوم.
منقولة من

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة