site meter

search

Google

result

Sunday, December 5, 2010

الحكم بالسجن المطلق في جريمة القرصنة الواقعة على شاطئ مرباط

بنصر من الله وتمكينه فإنه في يوم الأحد الموافق 28/11/2010م نطقت محكمة الاستئناف بصلالة عدلاً على المتهمين الأفارقة الإثني عشر الذين
ضلعوا في جناية القرصنة على شاطئ ولاية مرباط بتاريخ 31/5/2010م. وحكمت عليهم جميعاً بالسجن المطلق،جزاءً وفاقاً لما قارفته أيديهم.

وتعود أحداث القضية إلى أنه بتاريخ 31/5/2010م تلقى مركز شرطة مرباط بلاغاً من أحد المواطنين (م.ع.ع) مفاده أنه تلقى اتصالاً من ربان سفينة الصيد خاصته والمتواجدة آنذاك قبالة سواحل ولاية مرباط وأخبره بأن مجموعة من القراصنة استولوا على سفينة الصيد خاصته،وعلى الفور تدخلت إحدى سفن قوة خفر السواحل التي كانت متواجدة بالمنطقة وحاولت استعادة السفينة ولكن الجناة انهالوا عليها بالرصاص فاضطروا للتراجع ثم إن الجناة أجبروا ربان سفينة الصيد العمانية على التوجه بها نحو شواطي أفريقيا حينها تدخلت إحدى سفن سلاح البحرية السلطانية العمانية واعترضت سفينة الصيد التي استولى عليها القراصنة وأرغموهم على الاستسلام واقتادوهم إلى مركز شرطة ريسوت،وفي اليوم التالي انتقل أعضاء الادعاء العام لإجراء المعاينات اللازمة ثم عرض عليهم المتهمون فاستجوبوهم ثم انتدب الخبراء كل في مجال اختصاصه،وقد خلصت التحقيقات إلى أن المتهمين عمدوا إلى التظاهر بأن قاربهم تعطل في عرض البحر وطلبوا المساعدة من سفينة الصيد العمانية وما إن توقفت لهم وسمحت للشخصين الظاهرين على سطح قارب القراصنة حتى ظهر من داخل القارب عشرة قراصنة مسلحين تمكنوا من الاستيلاء على سفينة الصيد العمانية قاصدين خطفها وخطف بحارتها إلى بلادهم لإرغام صاحب السفينة على دفع الفدية عن السفينة وعنهم.

وبعد انتهاء التحقيقات أحال الادعاء العام جميع المتهمين بجنايات :1 ـ خطف وسيلة نقل مائي بهدف ارتكاب جريمة إرهابية،ومقاومة السلطات العامة العمانية أثناء تأديتهم وظيفتهم في استعادة السفينة من سيطرتهم،2 ـ مهاجمة سفينة صيد عمانية في عرض البحر بقصد الاستيلاء عليها وعلى محمولها،3 ـ خطف المجني عليهم (بحارة سفينة الصيد العمانية السبعة) بالحيلة والتهديد والقوة، وجنح :1 ـ حيازة أسلحة نارية آلية ونصف آلية وذخيرتها دون الحصول على ترخيص من الجهة المختصة،2 ـ مقاومة الموظفين العاملين مقاومة فعليه توقف عملاً شرعياً يقومون به.

وهي الجرائم المجرمة على التوالي بالمادة (9) من قانون مكافحة الإرهاب، والمادة (285) من قانون الجزاء بدلالة المادتين (1 و 18/أ) من قانون مكافحة الإرهاب،والمادة (258/2/4) من قانون الجزاء بدلالة المادتين (1 و18/أ) من قانون مكافحة الإرهاب والمادة (20) من قانون الأسلحة والذخائر والمادة (171) من قانون الجزاء.

وبجلسة المحاكمة المنعقدة بتاريخ 24/10/2010م أنكر المتهمون الجرائم المنسوبة إليهم ودفعوا بأنهم استولوا على السفينة طلباً للنجاة من الموت بعد أن تقطعت بهم الأسباب في عرض البحر ومن جهته ترافع عضو الادعاء العام/ محمد بن علي المرزوقي وشرح ظروف وملابسات الدعوى وبسط أمام عدالة المحكمة الأدلة الدامغة على صحة الاتهامات وأسانيدها القانونية وقارع دفاع المتهمين ودفوعهم بالحجة القانونية وختم مرافعته بالمطالبة بإعدام المتهمين جميعاً جراء ما اقترفوه فجاء حكم المحكمة على النحو المتقدم

* نص المرافعة أدناه:

حفظ الله عمان وشعبها آمنين مطمئنين تحت ظل القيادة الحكيمة لمولانا صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وبفضل أبنائها المتيقظين الذائدين عن حياضها.

مرافعة الادعاء العام في جنايتي الإرهاب والقرصنة

رقم:(29/ق/2010م) مركز شرطة مرباط



أمام محكمة الاستئناف بصلالة (دائرة الجنايات)

المنعقدة بتاريخ 24/10/2010م

أعدها وكيل ادعاء عام أول/محمد بن علي المرزوقي
مدير إدارة الادعاء العام بولاية مطرح
المكلف بالتحقيق والتصرف والمرافعة في القضية

بسم الله الرحمن الرحيم .. العزيز الحكيم

بسم الله الجبار المنتقم .. ذي الطول شديد العقاب

الحمد لله الذي فلق الإصباح ، وأنزل الفرقان والإصحاح...

والصلاة والسلام على من شرع الإصلاح،وأرسى قواعد الحق والعدل والفلاح ،وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين،،

أما بعد:

سيدي الرئيس،حضرات القضاة الأماجد،بداًً عن كل مرافعة سبقت،أراني اليوم قبالة أمانة تمثلت لي كجبل سمحان الأشم،فلم أجد مناصاً من تحمل تكليفها وتشريفها،فهي تكليف من حيث كونها أمانة ، وهي تشريف من شرف من أناطها بي،وشرف من نيطت من أجلها لم آتيكم سادتي اليوم بأم ثكلى،ولا عروس فجعي ، ولا أطفال يُتمى،فكل ذلك أمام ما جئتكم به يهون.

إن من رام الآثمون الجناية عليها في هذه الدعوى لهي عمان أعز الله ذراها، وطهر ثراها، إنها عمان الإباء والتمكين،والمجد والعرين.

إنها بلاد الطَول يوم الصَول،والسلام يوم الوئام.

إنها بلاد السيف،والضيف،والعلم،والقلم،والمدن، والريف.

إنها بلاد الخير والنماء،والتطور والرخاء.

مصانة بدعوة النبي،وقابوسها العلي،وشعبها الأبي.

" وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزا" الآية (25) سورة الأحزاب.

سادتي القضاة:

إني أجزم بأن هؤلاء الزمرة الآثمين ما قرأوا التاريخ لأنهم لو فعلوا لعلموا أن عُمان صخرة تكسرت عليها أمواج المعتدين،وفيلق فرق فلول الطامعين، بنصر من الله وفتح مبين .

لكنها سنة الله الجارية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. إنها حرب الباطل على الحق بين حزب الشيطان وحزب الله،"ألا إن حزب الله هم الغالبون".

ولذلك فبنصر من الله وتمكين أسوق إلى سدة القضاء العادل اليوم اثني عشر متهماً تواطأوا على الغدر والخيانة،تواطأوا على طعن جارهم الآمن في خاصرته من أجل متاع الدنيا الفانية،فخرجوا من وطنهم ـ وساء مخرجهم ـ لا لتفريج هم،ولا اكتساب معيشة،أو علم،أو أدب أو صحبة ماجد،وإنما ليرهبوا عباد الله الآمنين،ويغصبوهم أموالهم،وإن لزم الأمر فأرواحهم،باعوا دينهم وضمائرهم فبئس ما كانوا يصنعون .

سادتي المفلحون ..

هذه هي حرابة هذا العصر،إرهاب،وقرصنة،وخطف،وعنف،الفكرة واحدة،والشكل مختلف.

وقد حكم الحق العدل تبارك وتعالى فيهم بقوله "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم "الآية (33) سورة المائدة.

يا ضمائر الحق..

لقد بيِِِِِت المتهمون نيتهم الكالحة بليل،ثم "تنادوا مصبحين"،أن اغدوا على جريمتكم إن كنتم فاعلين،فحملوا أسلحتهم وجهزوا قاربهم فطفقوا نحونا معتدين "وانطلقوا وهم يتخافتون"،واستولوا على سفينة الصيد العمانية،"وغدوا على حرد" بحارتها قادرين،فطاف عليهم طائف من ربهم على يد جنده وهم نائمون،وما دروا إلاّ والمبروكة تسد عين الشمس،وهم حائرون،ولسان حالهم يقول" إنا لضالون"،وأيقنوا أنهم عن هدفهم لمحرومون،..أما قيل لهم " لولا تسبحون"؟!.

أصحاب الفضيلة:

إني أضع بين يديكم اليوم أكبر معضلة تؤرق العالم،إنها مشكلة الإرهاب،بسببها أزهقت أرواح وانتهكت حرمات الدين،وألصق به ما ليس منه،وتفرقت جماعات ،وغزيت دول،واحترب أقوام كانوا وفاقا،وغسلت الأموال،وفشت الجريمة ،وأثرى الجناة على حساب المجني عليهم ،إنه مصدر كل شر ولذلك توافقت إرادات الأمم والشعوب،على مكافحة الإرهاب والتصدي له .

"يعد الإرهاب جريمة من أشنع جرائم هذا العصر وأكثرها وحشية،ويقوم على تدمير الممتلكات العامة والخاصة،وترويع الآمنين وتقويض المكتسبات الحضارية في كثير من بلدان العالم،ولا يقدّر حقوق الإنسان ولا يأبه بالقيم التي حضت عليها الأديان السماوية،ولاسيما الشريعة الإسلامية السمحاء،والتي تقوم على التسامح ونبذ العنف وسفك الدماء والتخريب والترويع ،وغيرها كما يهدد الإرهاب السلام العالمي،والأمن الإقليمي للأمم ومصالحها الحيوية ،ويعرضها للخطر"

*من مقدمة كتاب (مكافحة الإرهاب) الصادر عن أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، الرياض 1999م،(أ.د عبد العزيز صقر الغامدي).

لما كان ذلك وكان المتهمون الاثنا عشر القابعون ـ بحق ـ في قفص الاتهام بتاريخ 31/5/2010م:

أولاً:ارتكبوا الجناية الإرهابية المؤثمة بنص المادة (9) من قانون مكافحة الإرهاب.

ثانياً: ارتكبوا جناية قرصنة المؤثمة بنص المادة (285/2/4) من قانون الجزاء العماني بدلالة المادة (18/أ) من قانون مكافحة الإرهاب .

ثالثاً:قارفوا جناية الخطف بقصد إرغام الغير على دفع الفدية المؤثمة بنص

المادة (258/2/و4) من قانون الجزاء العماني بدلالة المادتين (1)،و(18/ب) من قانون مكافحة الإرهاب.

رابعاً:حازوا أسلحة نارية بدون ترخيص الفعل المؤثم بنص المادة (20) من قانون الأسلحة والذخائر.

خامساً: قاوموا موظفين عامين الفعل المؤثم بنص المادة (171) من قانون الجزاء العماني.

وحفاظاً على وقت المحكمة الثمين فإني أحيل بشأن أدلة الثبوت في الدعوى على قائمة أدلة الثبوت المرفقة بطي قرار الإحالة وما حوته من أدلة قولية وفنية.

ولكني في هذا المقام استمنح المحكمة الموقرة وقتاً يسيراً لتأصيل الأوصاف سالفة الذكر فنقول ابتداءً : إن قانون مكافحة الإرهاب الصادر بالمرسوم السلطاني رقم( 8/2007) عرف الإرهاب في المادة الأولى منه على أنه "كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ولغرض إرهابي ، ويكون الغرض إرهابياً إذا كان يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم أو أعراضهم أو حقوقهم للخطر،أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر،أو تهديد الاستقرار أو السلام الإقليمي للسلطنة أو وحدتها السياسية أو سيادتها أو منع أو عرقلة سلطاتها العامة عن ممارسة أعمالها أو تعطيل تطبيق أحكام النظام الأساسي للدولة أو القوانين أو اللوائح" .

وأردفت المادة بتعريف للجريمة الإرهابية بأنها "كل فعل أو شروع أو اشتراك فيه يرتكب تنفيذاً لغرض إرهابي".

وجاءت المادة التاسعة من القانون لتكمل صورة النموذج الجرمي الذي نحن بصدده فقالت :"يعاقب بالسجن المطلق أو المؤقت لمدة لا تقل عن عشر سنوات كل من اختطف بأية طريقة وسيلة من وسائل النقل الجوي أو البري أو المائي بهدف ارتكاب جريمة إرهابية ، وتكون العقوبة السجن المطلق إذا قاوم الجاني بالقوة والعنف السلطات العامة أثناء تأدية وظيفتها لاستعادة الوسيلة من سيطرته".

لما كان ذلك وكان المتهمون قد اختطفوا سفينة صيد عمانية وهي في ذات الوقت وسيلة نقل مائي مهيأة وصالحة لذلك ،وكان ذلك بهدف ارتكاب جريمة إرهابية ؛ لأن الغرض من تنفيذها إرهابي من باب كون المشروع الإجرامي للمتهمين هدف إلى تعريض حياة المجني عليهم (البحارة) وأمنهم وحقوقهم (سيما مالك السفينة) للخطر ، ومن باب ثان أنه ألحق الضرر بأحد الأملاك العامة (قارب خفر السواحل حرس 18) إذ اخترقته طلقات المتهمين النارية،والخاصة (سفينة الصيد المختطفة وقد أصيبت بتلفيات أثناء عملية استعادتها من يد القراصنة).

ومن باب ثالث أدى مشروع المتهمين إلى تهديد الاستقرار والسلامة الإقليمية للسلطنة،حيت إنه شكل اعتداء ًسافراً على حالة الاستقرار التي تتكبد الدولة العمانية دفع الملايين من مقدراتها لإشاعتها في أقاليمها الجوية والبرية والبحرية لينعم بظلها المواطن والمقيم.

ولمَا كان الجناة قد استولوا على السفينة من الرابعة عصراً يوم 30/5/2010م ،واستقرت حيازتهم لها من بعد مقاومة خفر السواحل عند حوالي الخامسة عصر ذلك اليوم،إلى أن ناوشتهم سفينة البحرية السلطانية العمانية عند العاشرة صباحاً 31/5/2010م مما يجعل الواقعة تامة كونهم حازوا السفينة حيازة تامة وهادئة في عرض البحر ، وبذلك تكون قد جاوزت حد الشروع .

ولابد سادتي أنكم تتصورون مقدار الرهبة من ركوب البحر ودخول أعماقه سواء للصيد أو غيره من قبل صيادي مرباط الصغار وما جاورها بعد ما سمعوا بهذه الواقعة،إذ لسان حالهم يقول لقد أفلت القراصنة في المرة الأولى من عُمَان ، وفشلوا في الثانية ، وقد نجحوا في أعالي البحار مراراً حسب ما تنقل وسائل الإعلام فما المانع أن أكون أنا الضحية القادمة؟

ومما لا شك سيجعل طائفة ممن أرادوا النزول للبحر أو الاستثمار فيه أو ارتياده يعدلون وهذا الشعور بالرهبة هو محل الحماية التي قصدها المشرع في مادة القيد السابقة وبالتالي نرى ـ بتواضع ـ أن الوصف القانوني الأول المقدم به الجناة منطبق وفق قيوده على النحو المتقدم.

أما عن جناية القرصنة فهي مخ هذه القضية ومنطلقها ،ولكي نفهم هذا الفعل المنكر من قبل الجناة ،فتفضلوا سادتي القضاة باسترجاع المتغيرات في منطقة بحر العرب،وقبالة مضيق باب المندب في السنوات الأخيرة ،لقد ضج العالم بأسره من فعل القراصنة الصوماليين ،الذين ما فرقوا بين سفينة صغيرة،ولا كبيرة ولا صديقة،ولا عدوة،ولا عربية،ولا أجنبية،وليست واقعة خطف ناقلة النفط السعودية العملاقة ببعيد ، والتي اضطرت السلطات السعودية إلى افتدائها بملايين الدولارات ، وقد شربت معظم دول العالم من كأس القراصنة المرير،حتى أنهم أعادوا إلى الأذهان قراصنة العصور الوسطى بعدما أمن الناس شرهم،وقُطع دابرهم،وحتى السلطنة نابها من شرهم المستطير وفق ما حوته سطور قائمة أدلة الثبوت من سبق استيلاء القراصنة على سفينة صيد عمانية من قبالة سواحل محافظة ظفار ،والهروب بها إلى الصومال ،وطلب الفدية عن بحارتها مما حدا بمالكها إلى دفع مبلغ واحد وعشرين ألف ريال عماني فدية عنهم.

ولكن لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين،لقد أعادوا الكرة فكانت السلطات الأمنية والعسكرية العمانية لهم بالمرصاد،"وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء،والله ذو الفضل العظيم".

إن ما أثار استغراب العالم هو ضآلة إمكانيات عصابات القرصنة مقارنة بالأعمال التي يقترفونها حتى يتمكن العشرة من الاستيلاء على سفينة شحن بطول (200) متر أو أكثر،ولكن بدراسة أساليب هؤلاء القراصنة انكشف العجب فهم يتصيدون السفن التي يعلمون أن طواقمها عددهم قليل،وليس لهم عدة حربية كون نشاطهم مدنياً تجارياً أو خيرياً،وهم إما يتظاهرون بطلب المساعدة في أعالي البحار،وكأن السبل انقطعت بهم أو يلتصقون بأجسام السفن فيرقونها مسلحين ويستولون على قيادتها قهراً،ويوجهونها نحو الصومال حيث أوكارهم،ومن هناك يطلبون الفدية،ويهددون بإهدار سلامة السفينة وركابها إن لم ينصع المالك لمطالبهم ونجاحهم المرة تلو المرة في أعمالهم الإرهابية ، والثروة الهائلة التي يجنونها من تلك العمليات أسالت لعابهم للاستمرار في جرائمهم حتى تناجز العالم بأسره لمكافحة القرصنة في هذا الجزء من العالم فأبحرت قطع عسكرية لبعض الدول في تلك المنطقة وترصدت للقراصنة بل أن بعض الدول تكلف سفناً عسكرية لحماية سفنها المدنية.

ومن جماع البسط المتقدم نستطيع فهم دوافع المتهمين لارتكاب جريمتهم البشعة ولا شك ولا ريب أن لهم ممولين وآمرين هناك أرسلوهم بسفينة أكبر(السفينة الأم) من قاربهم إلى أن اقتربوا من هدفهم،فأنزلوهم في قاربهم الصغير وزودوهم بالأسلحة الآلية بعدما نصبوا الكمين ، ولكن "يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".

وعن إثبات هذه التهمة فلقد اعترف المتهمون صراحة بأنهم استولوا على سفينة الصيد العمانية بالقوة،وأنهم أجبروا ربانها على التوجه نحو الصومال تحت تهديد السلاح.

وبذلك فجناية القرصنة هي الأخرى ثابتة بحقهم لا ينال من ثبوتها ما حاول الجناة تسويقه من أنهم صيادون خرجوا من الصومال لغرض الصيد قبالة سواحله فجرفتهم المياه في أالأكثر من عشرة أيام نحو شواطئ مرباط إذ كذب روايتهم العقل والمنطق ابتداءً،وتقرير خفر السواحل انتهاءً حين أثبت أن اتجاه الرياح وقت الواقعة كان نحو باكستان،فإذا ما علمنا أن الصومال تقع جنوب عمان الغربي فأنه يستحيل أن ينجرف القارب شمالاً تجاه شواطئ مرباط هذا فضلاً ـ كما قلنا ـ عن عدم معقولية حياة المتهمين دون طعام أو ماء لمدة عشرة أيام،فضلاً عن قرينة تجهزهم بأسلحة آلية،وجهاز ملاحة متطور لتحديد المواقع (GPS)،وخلو قاربهم من أدوات الصيد،واعتمادهم على الحيلة للاستيلاء على السفينة العمانية ، وكونهم من مناطق مختلفة من الصومال بعكس ما يكون عليه الصيادون عادة من كونهم من قرية واحدة، تلك القرائن تشكل بتعاضدها دليلاً على تبييت المشروع الإجرامي وعزمهم عليه وقبل هذا وبعده فإن الجريمة قائمة بحق المتهمين بالقدر الوارد في اعترافهم.

ومن نافلة القول : إن جميع المتهمين شركاء في كل فعل صدر منهم لا يمكن لأحدهم أن يدفع بأنه لم يشارك في الأعمال المادية لجريمة خطف المجني عليهم والسفينة،إذ أنهم جميعاً حضروا بهدف واحد وجميعهم شارك في المشروع الإجرامي بشهادة المجني عليهم وليس كما ادعى بعضهم بأن لا حول ولا قوة كانت لهم في الموقف،وأنه كان مسيراً فيه لا مخيراً،فوجود أحدهم وحمله السلاح يُظهر إلى حيز الوجود أحد العناصر المكون للجرائم موضوع الدعوى ،ويعد مساهماً فيها،وهي الإرهاب والقرصنة والخطف والمقاومة وحيازة السلاح بدون ترخيص وفق مفهوم المادتين (93) و(94) من قانون الجزاء.

وغنيٌ عن البيان بأننا في الوصف الأول والثاني والثالث أمام تعدد معنوي على مفهوم المادة (31) من قانون الجزاء،ولكنه جدير بالذكر أن وصف ((خطف المجني عليهم المقيد بالمادة 258/2،و4)) متحقق وفق اعتراف المتهم الرابع أمام الشهود (المجني عليهم) ووفق ما تمليه قواعد المنطق والتفكير السليم ، لاسيما وأن المتهم الثالث (جامع عبدي آدم) كان من ضمن من اختطفوا الشاهد/بهويان داس، في المرة السابقة.

وأما عن جريمة حيازة الأسلحة النارية بدون ترخيص فهي ثابتة بحقهم أخذاً باعتراف بعضهم ،واعتماداً على شهادات المجني عليهم الذين أكد جميعهم ،أن جميع المتهمين كانوا مسلحين ببنادق،مقروءاً مع تقرير المختبر الجنائي الموري عن اكتشاف آثار البارود في المسحات القطنية المرفوعة من أيادي جميع المتهمين ما عدا (السادس) والذي نرجح أنه اعتنى بغسل يديه من البحر عند الاستسلام ، وإلاّ فأنه اعترف بحيازة السلاح الناري ، وعليه أكد أكثر من شاهد بأنه هو من أنه من كان يؤز ربان السفينة بسلاحه للتوجه نحو الصومال.

ودليل مقاومة المتهمين مأخوذ من الثابت بمحضر معاينة سفينة خفر السواحل (حرس 18) مقروءاً مع شهادة قبطانها الملازم/أسعد الغريبي،وباقي المجني عليهم،واعترافات المتهمين بأنهم بادلوا السفينة المذكورة النار عندما حاولت استيقافهم.

* الخاتمة:

سيدي الرئيس،حضرات القضاة العادلين:

إن الأديان السماوية كانت الرحمة الحقيقية بالناس،وإن العدالة والرحمة متلازمتان ، ولقد شرعت في الإسلام العقوبات الرادعة للآثمين،وأساس العقوبات الإسلامية هو القصاص،بالتساوي بين الآثم المرتكب والعقوبة الرادعة،ولذلك عبر القرآن الكريم عن العقوبة بالمَثُلات فقال تعالى في شأن عقابه الذي أنزله بالأمم التي فسقت عن أمر ربها،وعدم اعتبار من جاءوا بعدهم بقوله " يستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المَثُلات " (الآية السادسة من سورة الرعد).أي العقوبات المماثلة للذنوب التي وقع فيها من سبقوهم،ومع ذلك لم يتعظوا ولم يعتبروا وذلك هو الظلال البعيد.

فالعقوبات الإسلامية بشكل عام أساسها المساواة بين الجرم وعقابه،ولذلك تسمّى قصاصاً،ولوحظ فيها أن تكون النتيجة للقصاص هي الرحمة بالناس ،وأن تكون الحياة هادئة مطمئنة سعيدة لا يعكرها أذى ولا تعبث فيها الآثام ،ولذا قال سبحانه "ولكم في القصاص حياة" (الآية 179من سورة البقرة)،أي حياة هادئة رافهة مطمئنة لا فساد فيها ولا بغي ولا عدوان.

بهذا المفهوم يا أصحاب الفضيلة أناشدكم الرحمة بالناس،أناشدكم الرحمة بالآمنين ، بأصحاب الحق في الرحمة،فرحمةً بعُمان وأهلها.

فالقاضي الرحيم هو الذي تنبعث منه الرحمة بالعامة لا باشذَابِ منهم،ولقد سمى القرآن الكريم الرفق بالظالم رأفة إذ قال ".. والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" (الآية الثانية من سورة النور).

وفَََََرقٌ بين الرحمة والرأفة ،فالرحمة أكثر ما تكون انبعاثاً إلى الخير العام ،والعدالة ،أما الرأفة فإنها إحساس بالشفقة بالنسبة لمن يكون في حال آلام، سواء أكان الألم عدلاً أم كان غير عدل ، ولذلك كان النهي عن الرأفة وآثارها ثابتاً عندما يكون إنزال الألم عقوبة رادعة عن الشر،ومانعاً للإثم.

كما أن عمان وقائدها وشعبها يعملون في صمت ويشيدون بحكمة ويغزلون بثبات فهل ستسمحون سادتي لهؤلاء وأمثالهم بنقض الغزل،وهدم البنيان؟! على أنه كما تعلمون ليس مراد العقوبة الإيلام في حد ذاته لا،ولكنه الإصلاح للمعتدي،وزجر غيره به وردعه عن اتيان مثله،فعندما يعلم قراصنة الصومال وغيرهم أن القضاء العماني حكم بالإعدام على من اعتدى علينا بإرهابه فكأني بهم سيعدلون،وعن صولتهم سيرتدون.

وإن كان الجوع،أو الطمع حاديهم،أو الجشع رائدهم،فإن الحياة عند النفس أنيرة،والحتوف على الإنسان مريرة،وعلى من ساقته أهواؤه،تحمل أوزاره.

وإلاّ فليكفوا عنا شرهم وليعلموا أن عُمَان حرب على من عاداها، وسلم لمن والاها.

وقضاة عُمَان في هذا الميدان لسانها الناطق وعدلها الدافق،وعقلها الحاذق ،وسنامها السامق،وحياضها الحصين،وحارسها الأمين ،فقد ولوا هذه المهمة بحق وقاموا بها بصدق.

"سيادة القانون أساس الحكم في الدولة،وشرف القضاء ونزاهة القضاة وعدلهم ضمان للحقوق والحريات ،، لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير القانون"..(المادتان( 59 و 61) من النظام الأساسي للدولة).

وها أنذا أخاطب عقولكم وقلوبكم مشايخ القضاة،ملتمساً الحكم بإدانة المتهمين بجميع ما هو منسوب إليهم بقرار الإحالة،مطالباً بإعدامهم جميعاً إستنادا لنص المادة (18/أ) من قانون مكافحة الإرهاب التي أوجبت الحكم بإعدام من يرتكب جناية معاقب عليها بالسجن المطلق في قانون الجزاء إذا كان الغرض من ارتكابها إرهابيا ، وجناية القرصنة التي أتاها المتهمون عقوبتها تصل إلى السجن المطلق وكان الغرض من ارتكابها إرهابياً كما بيّنّا ،وبذلك استحق الجناة الإعداااام جزاءً وفاقاً لجرمهم و رحمة بعمان وأهلها وبالخيرين في كل العالم ،وإصلاحاً للمتهمين،وردعاً لمن تسول له نفسه باقتفاء أثرهم.

وفقكم الله للخير .. كل الخير..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

وكيل ادعاء عام أول / محمد بن علي المرزوقي
مدير الادعاء العام بولاية مطرح
المكلف بالتحقيق والتصرف والمرافعة في القضية

يوم الأحد: 15 من ذي القعدة 1431هـ
الموافق: 24أكتوبر2010م

منقول من جريدة الوطن العمانية

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة