site meter

search

Google

result

Tuesday, November 29, 2011

تجاوز خطير للإنسانية في استخدام العرب كحقل تجارب

عبد الباسط المقرحي
زاهر بن حارث المحروقي
سلطنة عمان

خبر صغير مرّ على الكثيرين مرورا سريعا ولكنه يحمل معان كثيرة داخل سطوره ويتطلب من العرب - حكومات ومنظمات إنسانية وأهلية والشعوب ووسائل الإعلام - أن تركز عليه كثيرا حيث كشفت صحيفة 'الصن' البريطانية الصادرة يوم الجمعة 11/11/2011 أن مزيجاً من العقاقير التجريبية من بينها دواء مصنوع في بريطانيا، أبقى عبد الباسط المقرحي على الحياة وهو الليبي المدان بتفجير طائرة لوكربي، وقالت الصحيفة إن الخبير بأمراض السرطان البروفسور كارول سيكورا المدير الطبي لمراكز العلاج الخاص البريطانية من السرطان أكد أن الأدوية التي يستخدمها المقرحي ما تزال غير متوفرة في بريطانيا لمرضى المستشفيات الحكومية وأن سيكورا كان أجرى تقييماً طبياً مستقلاً للوضع الصحي للمقرحي والذي يُعاني من سرطان البروستاتا وقُدّر بأنه سيعيش 3 أشهر فقط حين أُخلي سبيله من سجنه في اسكتلندا عام 2009

ونسبت الصحيفة إلى البروفسور سيكورا قوله ( إن المقرحي يستخدم عقاقير تجريبية من بينها دواء تم تطويره في بريطانيا وغير متوفر لمرض النظام الصحي الحكومي، وهذا يثير السخرية تماماً ) أي أنه تم استغلال عبد الباسط المقرحي كحقل تجارب لمعرفة مدى صلاحية هذا الدواء الجديد، ولكن هل المقرحي هو أول إنسان عربي يتم استغلاله كحقل تجارب؟ بالتأكيد ليس هو الأول ولن يكون الأخير، فقد جاءت الإشارات الأولى لإجراء تجارب على الأدوية الإسرائيلية على المعتقلين الفلسطينيين عام 1997 عندما نشرت صحيفة الأيام المقدسية خبراً مفاده أن عضوة الكنيست الإسرائيلي ورئيسة لجنة العلوم البرلمانية الإسرائيلية (داليا ايريك) كشفت عن وجود (1000) تجربة لأدوية خطيرة تحت الاختبار الطبي تجري سنوياً على الأسرى الفلسطينيين والعرب في إسرائيل وقد اعتادت وزارة الصحة الإسرائيلية إصدار ألف تصريح لشركات الأدوية الإسرائيلية الكبرى لإجراء تجاربها على الأسرى الفلسطينيين، كما كشفت ( أمي لفتات) رئيس شعبة الأدوية في وزارة الصحة الإسرائيلية أمام الكنيست أن هناك زيادة سنوية قدرها 15% في حجم التصريحات التي تمنحها وزارتها لإجراء المزيد من تجارب الأدوية الخطيرة على الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية كل عام ، فيما أكد الأسير السابق، الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة أن مرض السرطان يفترس الأسرى دون مقاومة تُذكر وأن أعداد المصابين منهم بهذا المرض الخبيث في تزايد مضطرد في ظل ظروف صحية خطيرة واهمال طبي متعمد مبيناً أن العشرات من الأسرى السابقين ظهر عليهم المرض الخبيث بعد تحررهم بشهور أو سنوات ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وذلك بسبب ما ورثوه عن السجون وآثارها المدمرة

 وإذا كان الحديث يدور عن ألف تجربة قبل 14 سنة ، وزيادة مقدارها 15 % سنوياً فاليوم يدور الحديث عن أكثر من 5 آلاف تجربة سنوياً لاسيما وأن سلطات الإحتلال لم تعلن توقفها عن ذلك

 إن سلطات الإحتلال الإسرائيلي لم تكتفِ بسجون ومعتقلات تفتقر لمقومات الحياة الآدمية وتتناقض وكافة المواثيق والأعراف الدولية بل تعدت ذلك وارتكبت ما هو أخطر وأفظع من ذلك حينما أنشأت سجونا ومعتقلات في صحراء النقب خصيصاً لإخضاع الأسرى لتجارب بيئية ولمعرفة مدى تأثير مفاعل ديمونا النووي ومخلفاته السامة التي تدفن هناك على البيئة وعلى حياة البشر وما يمكن أن يُصيبهم من أمراض، أو لتوريثهم بتلك الأمراض لما بعد خروجهم

 لكن المثير في المسألة الفلسطينية هو أن من أثار القضية ليس العرب وإنما أثارها إسرائيليون ولم يهتم العرب بهذه المسألة كثيرا واعتبروها مسألة عابرة وكأنها ليس لها تأثير سلبي مستقبلا على شعوب المنطقة ككل، بل إن ما يؤسف له أن بعض الصحفيين العرب أشاد في إحدى مقالاته التي احتفت بها وزارة الخارجية الإسرائيلية في موقعها، أشاد بما أسماه ب" المعاملة الإنسانية" التي يتلقاها الأسير العربي في السجون الإسرائيلية مستشهدا بوزن سمير القنطار عندما أطلقت إسرائيل سراحه في صفقة التبادل مع حزب الله

 إن ما يجري للشعوب العربية سواء في فلسطين أو في المعتقلات الأمريكية في العراق أو ما حصل في معتقل جوانتانامو السيء السمعة من امتهان لكرامة الإنسان العربي وجعله مجرد فأر تجارب يدل على أن الإنسان العربي يفتقد إلى أي قيمة في وطنه ومن قبل حكومته في الأساس وإلا لما حصل له ما حصل، ولو أن الدول العربية متقدمة نوعا ما في الطب ربما كانت أجرت تجارب أكثر مما أجرتها أمريكا وإسرائيل وبريطانيا على المعتقلين والأسرى العرب، لكن الحكومات العربية عوضت عن إجراء التجارب على المساجين بابتكار أنواع التعذيب ضد المعتقلين وفي كلا الحالين فإن الشعوب العربية هي ضحية التجارب سواء كانت تجارب طبية أو تجارب التعذيب، وعندما تم إجراء التجارب الطبية عليه فإن المقصود بالعلاج لم يكن هو بل كان هو مجرد فأر عليه أن يتحمل النتيجة لكي يستفيد الآخرون، حتى لو كان ذلك على حساب الكرامة أو على حساب الحياة البشرية!

إن جعل الإنسان العربي مجرد فأر تجارب لم يقتصر على الفلسطينيين وحدهم وعلى المقرحي بل تعدى ذلك إلى استخدام تجارب الأسلحة الفتاكة مثل الأسلحة الانشطارية والأسلحة البيولوجية ضد أهل غزة من قبل القوات الصهيونية وكذلك استعمال أمريكا لكل الأسلحة المحرمة دوليا في حربها ضد العراق

 ويبقى أن نقول إن القول بأن الأدوية التي استخدمها عبد الباسط المقرحي هي التي أبقته حيا حتى الآن عكس تقديرات الأطباء فيه من الجناية ما فيه وسواء توفي - وهو مصير أي حي - أو بقي على قيد الحياة فإن ذلك لا ينفي أن استخدام الأجساد البشرية دون إذن ومعرفة الشخص يعد تجاوزاً خطيراً لإنسانية الإنسان وإنتهاكاً لكرامته وإعتداء على حقه في الحياة وإمتهاناً لكرامته، والأمرّ أن نقرأ بعض الأخبار الواردة من ليبيا أن السلطات الليبية وقّفت الأدوية عن المقرحي بعد سقوط طرابلس لأنه كان يعمل في مخابرات القذافي، والأدهى من ذلك أن هناك كلاما دار حول تسليم المقرحي لأوروبا من جديد ليكمل فيها محكوميته، ورغم نفي حكام ليبيا الجدد ذلك إلا أنه يكفي أن شيئا من هذا دار في بال بعضهم.
منشور في جريدة الرؤية العمانية

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة