site meter

search

Google

result

Tuesday, July 28, 2009

لا للتشهير بالسجناء

طالب العامري

جريدة الشبيبة


لم تكن زيارتي لمستشفى سمائل صبيحة الأحد الماضي كغيرها من الزيارات العلاجية ، فحينما تطأ قدميك المستشفى تراه غالبا مزدحما بالمرضى بإختلاف أعمارهم وفئاتهم ،و تجدهم أحرارا في المشيء غير مقيدين إلا من قيد ألم المرض، وإن صادفت مراجعتك العلاجية يوما قبل يوم اجازة رسمية فاصبر لأن الإزدحام العلاجي يصل إلى الضعف مقارنة بما هو عليه في الأيام الأخرى


قلت بأن الأحد الفائت لم يكن بالنسبة لي يوما عاديا في المستشفى ، فما أن دخلت عيادة الأذن والأنف والحنجرة رأت عيناي ما لم تره من قبل فرأيت مساجين بالجملة جالسين على المقاعد المخصصة لإنتظار الرجال بهذه العيادة بل إن السجناء ملأوا تلك المقاعد ولم تكن هناك مساحة شاغرة لجلوس غيرهم باستثناء مقاعد النساء التي اكتظت هي الأخرى بالمراجعات ، صراحة تفاجأت من هذا المنظر الذي أراه مهيبا، بداية لم أركز بنظري عليهم فهم محاطون برجال الأمن .. سلمت (الملصق ) الذي به أسمي ورقم ملف العلاج للممرضة ، قالت لي اصبر لأنه كما ترى عندنا زحمة هذا اليوم


خرجت وانتظرت خارج العيادة أي في الممر ، فازدحمت في ذهني وقتها تساؤلات عدة كإزدحام المراجعين للمستشفى .. وإذا بي وأنا ما زلت متسمرا في الممر أرى مشهدا تكرر لي بعدها سجين يمشي مقيد الأيدي والأرجل محاطا برجلي أمن عن اليمين والشمال مدججين بالسلاح ، ولأن السجين مقيد بسلاسل في رجليه ويديه فإن مشيته كانت كمشي السلحفاة أو أقل سرعة منها ، قلت في نفسي والفضول يدفعني لماذا لا أذهب واسترق النظر داخل العيادة هل حال السجناء هناك نفس حال زملائهم الذين رأيتهم ينقلون من عيادة لأخرى ؟ وجدتهم على نفس الهيئة الخارجية ، ركزت في أشكالهم التي توحي بأن أكثرهم من جنسيات وافدة ، عرفت بعدها وكما قال لي أحدهم ـ طبعا ليس شرطيا أو سجينا ـ كما ترى بأن هؤلاء قد أتوا للعلاج والفحوصات والحافلة التي جاءوا فيها هي حافلة الشرطة


ولأن السجن المركزي الذي كان بمنطقة الرميس بولاية بركاء قد تم نقله إلى منطقة الدسر في ولاية سمائل على يسار المتجهين صوب الشرقية السالكين طريق بدبد ـ صور والذي طال أمد إزدواجيته رغم إقراره منذ سنين .. ولأن العمل قد بدأ بهذا السجن واستقبال الحالات كان متواصلا منذ فترة فإن نزلاء هذا السجن سيصبحون لا محاله (من الزبائن ) عذرا من أهم المراجعين لمستشفى سمائل شأنهم شأن نظرائهم المرضى وإن اختلفوا في الصور الخارجية لأن سيماهم ليست في وجوههم بل في ألبستهم والسلاسل المقيدة لأرجلهم وأيديهم


قد يقول قائل أليس من حقهم العلاج ؟ وأليس من واجب المستشفى تقديم الرعاية الصحية إليهم ؟ بغض النظر عن أي هيئة هم عليها . تساؤلات مشروعة ، لكننا في المقابل نتساءل في مجتمع قد حدد سلفا آلية التعامل مع الجناة والمجرمين ، فالآلية متعارف عليها وواضحة جليا بأن التعامل مع هذه الفئة بدءا من صدور الأحكام ضدهم لا تعتمد على أسلوب التشهير بهم ، وإن كان البعض يرى بأنها نوع من العقوبة وجزاء ما اقترفوه في حق المجتمع


إن التعاطي مع الحالات الإجرامية لاسيما التعاطي الإعلامي محدد وفي أطر محددة بدءا من نشر الخبر بدون أسماء حيث يتم الترميز إلى الأسماء بالأحرف ، وقلما تظهر الصور وإن ظهرت فإن الأعين تكون مغطاة ، هذا ما عرفناه وما تحدده لنا الجهة الأمنية فيما يمكن تناوله والمسموح به حول تغطية مثل هذه الموضوعات فلا توجد عندنا صحف إثارة يتردد مراسلوها على مراكز الشرطة لأخذ صور المجرمين والجناة ، إذن فمن الواضح أن سياسة التعامل مع هذه الفئة تتم بطريقة أقرب إلى السرية منها إلى التشهير حفاظا على خصوصية المجتمع وكلنا يعلم أن تناول مثل هذه الموضوعات بالصورة التي يتناولها غيرنا ونحن نعيش في مجتمع صغير نوعا ما ولا يزال متماسكا فحين يتم بث ونشر موسع للصور لاسيما الجناة من أبناء الوطن كيف أن الأمور ستجري وكيف يتم النظر إلى ذويهم ومن لهم صلة بهم رغم أن الآخرين لم يقترفوا ذنبا أو جريمة


أعود إلى ما جرى بالمستشفى ، وفي الوقت الذي يتم فيه تفادي نشر صور فوتوغرافية وصحفية للمجرمين والجناة يتم نشر صور حية متحركة ( لا أعني رسوما ) بل حقيقية تسيئ إلى هذا المجتمع المحافظ .. سيقول أحدكم آتنا بالحل ؟! أقول ليس الإتيان بالحل أمرا صعبا ، لأننا في مواجهة معادلة بسيطة لدرجة لا يتصورها البعض ، فهناك سجناء مرضى وآخرون يجب أن تؤخذ عليهم فحوصات دورية ، نقول سجناء وليسوا طلقاء فلا يمكن إحضارهم إلى المستشفى مثل من يحضر إخوانه للعلاج خوفا من هروبهم أو اتيانهم بتصرفات إجرامية أو خلافة إذن ما الحل أو المقترح حيال هذا الأمر ؟! لن أذهب بعيدا وأقترح إنشاء مستشفى لهم على إعتبار أن هذا المقترح لا يتعدى حلما يستحيل الأخذ به الحل بسيط وفعال يكمن في التنسيق المباشر بين شرطة عمان السلطانية ممثلة في إدارة السجون أو أية جهة بالشرطة وبين وزارة الصحة ممثلة بالمستشفى القريب من السجن في أن يتم تخصيص يوم في الشهر لكل طبيب يذهب إلى عيادة السجن فكما عرفت بأنه توجد في السجن عيادة كيف تعمل لا علم لي ، فلإخصائي القلب يوما بالشهر وكذلك لإخصائي الأمراض الباطنية .. والعيون .. والإذن والحنجرة وهلم جرا وإن كانت هناك حالة طارئة لسجين ما فإن الأمر يتطلب إحضاره بصورة لائقة إلى طوارئ المستشفى .. أليس هذا حلا سهل المنال ، لا يتطلب عناء ولا مشقة بل إنه يحفظ ماء الوجه للجهتين الأمنية والصحية ( أراه كذلك) .


رشة جريئة


لو قام أحدهم على غفلة من رجال الشرطة والتقط بهاتفه الجوال صورا للزائرين السجناء للمستشفى أكان في حالة قعودهم أو مشيهم البطيء .. وقام المصور بعدها بنشر الصور عبر البلوتوث ومن ثم الإنترنت .. حينها من يتحمل المسؤولية ؟ وليجاوبني أحد ، أو يرى الابن أباه السجين بتلك الصورة المهينة فأية صورة سترسخ في ذهن الابن سواء كان يعلم مسبقا بأن أباه في الحبس أو لا ، لا نشكك في سجلنا المشرف لكننا لا يجب أن ندع مجالا للمتربصين ليتصيدوا علينا ما يضعوه في تقاريرهم المسيسة


منشورة في جريدة الشبيبة العمانية في 27 يوليو 2009م

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة