site meter

search

Google

result

Thursday, January 3, 2008

كتاب عُمان الجديدة

إصدار مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا. جامعة تل أبيب. 2000
قراءة في كتاب عوزي رابي

نهاد الشيخ خليل
كاتب ومترجم فلسطيني
 صدر هذا الكتاب في تل أبيب عن مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا سنة 2000. ومؤلف الكتاب هو عوزي رابي المحاضر في قسم تاريخ الشرق الأوسط وإفريقيا في جامعة تل أبيب. ويقع الكتاب في 216 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي بالإضافة للمقدمة على تمهيد وثلاثة فصول إضافة للخلاصة وخاتمة والملاحق.



عرض الباحث في التمهيد خطة البحث والمنهج الذي استخدمه في إعداده، وبيّن أن هدف البحث هو محاولة تكوين صورة تحليلية شاملة لمسيرة نمو الدولة العُمانية والانتقال من كيان بدوي متخلف إلى دولة منظمة. وحدد الكاتب سنة 1970 كنقطة انطلاق في بحثه، وهو العام الذي تولى فيه السلطان قابوس الحكم، باعتباره العام الذي بدأ فيه التغير الدراماتيكي والذي تجسد في مجالات مختلفة من الحياة العامة.
ـــــــــــ

وشدّد الكاتب على أهمية النفط ودوره المركزي في إحداث التغيير نظراً لما يجلبه من عوائد مالية كبيرة، كما ركز على دور بريطانيا ومساعدتها للسلطان قابوس في ثورته ضد والده وبعد أن بدأ يبني دولته، كما تطرق الباحث إلى الجهود الكبيرة التي بذلها السلطان والمهارة التي تمتع بها في مواجهة المشاكل الداخلية والخارجية.

وأشار الكاتب إلى المكونات الأساسية للمجتمع العُماني مشدداً على ضرورة فهمها كمقدمة أساسية لفهم عملية التغيير ومسيرة الانتقال من عهد التخلف إلى المرحلة الجديدة، وبهذا الخصوص شدّد الكاتب على المعطيات التالية:

المجتمع والثقافة: وأوضح الكاتب أن المجتمع العُماني ينقسم إلى عرقيات متعددة تعيش بشكل مستقل، فالعُمانيون بعضهم من أصل هندي أقاموا منذ بداية القرن السادس عشر قرب الميناء المركزي لمسقط، وتمتعوا باحتكارات تجارية واسعة. وتوجد مجموعة إثنية أخرى قدمت إلى عمان من منطقة بلوخستان وعاشت في منطقة الساحل، وعمل هؤلاء في قوات الجيش والشرطة بشكل أساسي. والبقية إما كانوا عُمانيين من أصل عربي أو مرتزقة جُلبوا من إيران وباكستان وغيرها من المناطق التي كانت واقعة تحت الحكم البريطاني. وبالإضافة إلى التقسيمات الآنفة الذكر يوجد تقسيمات أخرى مستمدة من البيئة العُمانية، فالعُمانيون منهم المزارعون والبدو وسكان الجبل، وكل واحدة من هذه الجماعات تختلف عن نظيرتها من حيث اللهجة وطريقة الحياة والثقافة السياسية

البعد الديني: أوضح الباحث أن 55% من مجمل سكان عمان في مطلع العقد السابع من القرن العشرين هم من الشيعة الأباضية، و40% من السنة، و5% من الشيعة. وذكر الباحث أن الأباضيين نجحوا في تمكين وجودهم داخل المجتمع العُماني بسبب اتجاهاتهم المعتدلة بشأن مسألة السلطة والمجتمع ورفضهم قتال المخالفين وتبنيهم لمبدأ الشورى في اختيار الإمام.

البعد الجيوبوليتيكي: أشار الكاتب إلى أن موقع عمان جعل منها جسراً لا غنى عنه في الشبكة التجارية العالمية حتى في زمن الحضارات القديمة لأنها تسيطر على مدخل المحيط الهندي والخطوط التجارية بداخله والتي تمتد من سواحل إفريقيا الشرقية وحتى الصين.

البعد الجغرافي: أوضح الباحث أن الاختلاف الجغرافي بين المنطقة الساحلية والمنطقة الداخلية الجبلية تسبب في تشكيل مجتمعين مختلفين يعيشان حالة من الصراع تركت آثاراً واضحة على تطور عمان. وأشار الباحث إلى أن تراثين سياسيين مختلفين ساهما معاً في تطوير عمان، ويتمثل الأول في تراث الدولة القبلية الإمامية في المنطقة الداخلية المنعزلة ذات الاقتصاد البسيط ويقف على رأسها إمام يتم اختياره وفقاً لتعاليم الأباضية. أما الثاني فيتمثل في تراث الدولة القبلية على الساحل، سلطنة مسقط، المشهورة بأعمال الملاحة والتجارة البحرية التي جعلتها دولة تجارية بحرية عظمى، والتي كانت لمدة أكثر من قرنين (1624-1856) القوة المسيطرة على طرق التجارة غرب المحيط الهندي والخليج الفارسي.

وأشار الباحث في التمهيد إلى وجود مجموعة من العوامل ساهمت في توليد الحاجة للانتقال من كيان قبلي إلى دولة منظمة معتبراً أن التخلف العُماني أعاق إيجاد الحلول الملائمة لمشاكل الواقع العُماني في بداية العقد السابع من القرن العشرين، فقد توفرت أموال كثيرة من عوائد النفط لكن النظام العُماني كان عاجزاً عن استيعابها والاستفادة منها، إضافة إلى أن احتكاك عمان بمحيطها الخليجي كشف حجم التخلف وأبرز الحاجة للتغيير وذلك لتحقيق الانسجام مع الآخرين.

واعتبر الباحث أن العلاج الفاعل حتى سنة 1970 لمشكلة التمرد في الإقليم الجنوبي الغربي (ظفار) أبرز الحاجة للتغيير وذلك بحثاً عن أساليب متطورة وفعالة لمواجهة التمرد الذي يحظى بدعم وتأييد قوى خارجية مثل اليمن الجنوبي والاتحاد السوفييتي. وركز الباحث على أهمية دور بريطانيا كمحرك لعملية التغيير مشيراً إلى أن ثورة قابوس لم تكن ذات طابع شعبي، ولم يكن المبادرون لها عمانيين وإنما بريطانيين أرادوا إيجاد جهاز سلطوي جديد يمكن بواسطته الحفاظ على المصالح البريطانية في المنطقة والمتمثلة في سهولة الحصول على النفط وتأمين وحماية طرق نقله. ويشير الباحث إلى أن بريطانيا اكتفت بالتعامل الهادئ مع المنطقة ولم تشمل المصالح البريطانية في عُمان أي تدخل في حياة الناس، ولهذا بقي المجتمع العُماني معزولاً وأهمل بناء المؤسسات العامة وبقيت المنطقة مرتبطة بالمؤسسات التقليدية ولم تخض تجارب في عمليات التطوير ولهذا بقي المجتمع العُماني منشداً لإيقاع الحياة الخاص به إلى أن صعد قابوس للحكم.

وجاء الفصل الأول تحت عنوان "المرحلة الانتقالية" وهي الفترة الممتدة من يوليو 1970 (صعود قابوس) وحتى ديسمبر 1971 (إخلاء البريطانيين من عمان). وأشار الباحث في هذا الفصل إلى أن السلطان قابوس صاحب الخبرة البسيطة اعتمد في البداية وبشكل كامل على دعم البريطانيين في إدارة شؤون السلطنة في المجالات الإدارية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، لكنه كان حريصاً على تنمية خبرات العُمانيين في مختلف المجالات حتى يتولوا بأنفسهم جميع الأمور، وبالفعل تسلم العمانيون جميع الصلاحيات بالتدريج إلا أن الشؤون العسكرية بقيت تحت إشراف الخبراء البريطانيين لفترة أطول من غيرها بكثير.

وأوضح الباحث أن السلطان قابوس حرص منذ البداية على تقديم الوعود بتحسين أحوال الناس وبناء المدارس والمستشفيات والطرق والمطارات الدولية والاستفادة من عوائد النفط في التنمية. وذكر الباحث أن السلطان قابوس حرص على تحسين سمعة نظامه من خلال هجاء العهد القديم إضافة إلى تعيين عمه طارق بن تيمور الذي يحظى بشعبية واسعة رئيساً للحكومة. وركز الباحث على اهتمام السلطان قابوس بالقبائل حيث عمل على تقليص قوة القبيلة على المستوى السياسي لكنه في نفس الوقت أبقى لها الدور الاجتماعي ولم ينهِ دورها الاقتصادي مرة واحدة.

وكان الباحث في بداية الفصل الأول قد تطرق إلى نظام الحكم البدائي والمنعزل الذي أداره السلطان سعيد بن تيمور والد السلطان قابوس، وحالة المجتمع العُماني المتخلفة في عهده، إضافة للانقسام الذي عاشه المجتمع العُماني على صعيد العرقيات والأقاليم، وثورة ظفار، وكل لك بهدف التمهيد لفهم الجهود التي بدأها السلطان قابوس لإحداث التنمية والوحدة الوطنية وقمع التمرد ودمج عُمان في محيطها العربي والإسلامي والدولي.

وحمل الفصل الثاني عنوان "مرحلة الصراع وتقوية النظام" ويشمل الفترة من ديسمبر 1971 (الإخلاء البريطاني) إلى ديسمبر 1975 (قمع التمرد الذي قادته جبهة تحرير ظفار) حيث أوضح الباحث أن السلطان قابوس وجه معظم قوته وموارده لقمع التمرد في ظفار. وكشف أن سحق التمرد في النهاية شق الطريق أمام دمج شقي عُمان ووسّع قاعدة الشرعية لسلطان قابوس. وأشار الباحث في هذا الفصل إلى السياسات التي تبنتها السلطة في محاولة تحقيق الاندماج الديمغرافي والجيوبوليتيكي، وتناول هذا الفصل كذلك المشاكل التي أثيرت بسبب غياب سياسات اقتصادية مخططة (بسبب توجيه معظم الموارد للحاجات الأمنية).

وأوضح الباحث أن قمع التمرد في ظفار لم يقتصر على الوسائل العسكرية بل اعتمد أساساً على تحسين أحوال المجتمع العُماني في ظفار واعتبارها منطقة ذات أفضلية في عملية التنمية، إضافة إلى محاصرة القنوات الدبلوماسية من خلال الربط بين المتمردين وبين المطامع السوفييتية في موارد الخليج العربي الأمر الذي جعل دول الخليج العربي وإيران الشاه تقف إلى جانبه، وعلاوة على ذلك فقد حرص السلطان قابوس على عدم التورط في مشاكل مع الدول الداعمة للتمرد مثل اليمن الجنوبي، وامتص كل الأزمات التي اقتربت من حافة الاشتعال مع اليمن الجنوبي، وأوضح الباحث أن السلطان قابوس بالقدر الذي واجه فيه التمرد داخلياً فقد عمل على استخدامه في الحصول على مزيد من الأسلحة والخبرات الغربية لتقوية جيشه.

وقدم الباحث في هذا الفصل تحليلاً لعملية الانتقال الحاد من جهاز الحكم البسيط الذي كان سائداً أيام حكم السلطان سعيد بن تيمور إلى نظام حكم بوجود جهاز إداري بيروقراطي واسع، الأمر الذي أدى إلى تفتيت الأطر القبلية التقليدية من خلال اختلاطها بالنظام الجديد وبروز مراكز قوة جديدة تتمثل في الموظفين وحكام الأقاليم، وأوضح الباحث أن هذه القوة الجديدة خدمت أهداف الحكم الذي تطلع للحفاظ على التوازن في الواقع العُماني الشديد التغير في ذلك الوقت.

وتتبع الباحث في هذا الفصل التوترات الاجتماعية التي نتجت عن التقاء مجتمع تقليدي مع تغييرات
سياسية واقتصادية وبالذات بروز ظواهر جديدة مثل نمو طبقة متوسطة مثقفة، وتبلور مجتمعات أجنبية وهجرة لمراكز المدن، وأدى هذا إلى تحويل المجتمع العُماني من مجتمع يتساوى فيه أغلب الناس في الفقر إلى مجتمع طبقي. وكشف الباحث كيف وجه النظام معظم موارده باتجاه بؤر عدم الاستقرار بهدف هزيمتها (نموذج متمردي ظفار) أو إرضائها (نموذج زعماء القبائل والطبقة المتوسطة الصاعدة).
وأوضح الباحث في هذا الفصل مدى وعي السلطان قابوس لأسس القوة والضعف الكامنة في الموقع الاستراتيجي لعمان وأهمية تجنيد ذلك في تطوير سياسة خارجية لجلب المساعدات الفنية والعسكرية والإدارية والسياسية وتقوية النظام العُماني في مواجهة التمرد الذي استنفذ الكثير من موارد الدولة العُمانية.

وحمل الفصل الثالث عنوان "استمرار التنمية والاندماج في المحيط" والذي تناول الفترة الممتدة من ديسمبر 1975 (قمع التمرد) إلى مايو 1981 (إقامة مجلس التعاون الخليجي). ويكمل الباحث في هذا الفصل تحليل اندماج القبيلة في الدولة إضافة إلى تطبيق سياسة التنمية الاقتصادية الخاضعة للرقابة، وأكد الباحث على الاندماج العملي لعُمان في إطار السياسات الإقليمية والعربية والإسلامية والدولية.
وأوضح الباحث أن القبيلة لعبت دوراً مهماً في عملية بناء الدولة مشيراً إلى أن القبيلة لم تشكل في الحالة العُمانية عائقاً لاندماج الدولة وتطوير مؤسساتها، بل على العكس فقد كانت في كثير من الأحيان عاملاً مساعداً حيث ملأت القبيلة الفراغ الذي كان ينشأ في مراحل الانتقال، وعوضت أفرادها عندما كانت الحكومة تعجز عن تقديم العون لهم.

وكشف الباحث في هذا الفصل أن الدولة عملت من جهة على إضعاف الدور السياسي للقبيلة لكنها لم تستغن عن القبيلة تماماً، حيث واصلت الدولة سياسة التعيينات وتخصيص الموارد حسب المعايير القبلية، وهكذا استمر تغلغل القبيلة في الدولة الجديدة واكتسى صورة يطلق عليها الباحث اسم "الأبوية الجديدة" حيث استُخدمت الأجهزة الحديثة كإطار علوي يستند إلى السلوكيات ونماذج العمل القديمة. وأكد الباحث على اهتمام السلطان بتوسيع قاعدة الشرعية لحكمه من خلال كسب الولاءات الشخصية والقبلية. ومن خلال إضعاف الدور السياسي للقبيلة.، واستخدام التعيينات والموارد المالية لإرضاء رؤساء القبائل والمتعلمين من أبنائها اكتملت معادلة علاقات التبعية بين الحكم المركزي وبين القبائل.

وأشار الباحث إلى أن ضعف المكانة السياسية للقبائل وصل ذروته في السبعينات في عهد قابوس، وأوضح الباحث التغيرات الاقتصادية والسياسية في إطار النظام الجديد هي التي أضعفت القبائل كقوة سياسية وعسكرية ذات نفوذ في الساحة العُمانية. وأكد الباحث أن رؤساء القبائل الذين نجحوا في الحفاظ على مكانتهم هم الذين اعترفوا بمكانة الدولة كقوة عليا في البلاد، ومنذ ذلك الوقت فصاعداً سعوا إلى تحقيق طموحاتهم السياسية من خلال دمج أطرهم القبلية بعملية بناء الدولة.

ويشير الكاتب إلى شئ من التناقض في علاقة القبيلة بالدولة حيث يذكر أن طبيعة الصراع الذي أدارته "جبهة تحرير ظفار" هو الذي دفع رؤساء القبائل إلى الميل نحو الدولة والتحالف معها، رغم أنهم يعلمون نوايا الدولة وسياساتها الموجهة لإضعاف قوة القبائل، ويُرجع الباحث سبب ذلك إلى فشل الجبهة في تقديم بديل فعال لحكم قابوس وما يطرحه من برامج، خاصة وأن الجبهة كانت تملك برنامجاً علمانياً يمس أبسط الأسس التي يتكون منها البناء الاجتماعي للقبائل، ولهذا رأت القبائل أن ما يطرحه قابوس أسهل على الفهم وأكثر جاذبية مما يطرحه المتمردون في ظفار، وذلك لأن ما يطرحه السلطان يفسح المجال أمامهم للحفاظ على الأطر التقليدية مستقلة تحت حماية الدولة. وأشار الباحث إلى أن الدولة في الواقع الجديد، من وجهة نظر القبائل، هي القوة الوحيدة التي توفر للقبائل إمكانية البقاء والاستمرار والمحافظة على العادات الاجتماعية مثل الزواج واللباس والطلاق واحترام الأسرة وغيرها، ورغم تراجع المكانة السياسية للقبيلة في ظل حكم قابوس إلا أنها واصلت العمل كمصدر مهم للقيم والرموز التي يلتف حولها المجتمع حتى في الدولة الأكثر تنظيماً.

وأوضح الباحث أن عملية الانتقال من القبيلة إلى الدولة أدت أحياناً إلى توسيع الأطر القبلية وتغلغلها في بنية الدولة الأكثر تنظيماً، الأمر الذي أدى إلى خلق حالة تعايش، فالقبيلة تعيش في كنف الدولة وحمايتها، والدولة تستمد من القبيلة الهوية. ويلفت الباحث الانتباه إلى أن الدولة العُمانية عرضت القبائلية على أنها مصدر للأصالة والفخر العُماني، مع التأكيد على الصفات المستمدة من الرمزية القبائلية الجماعية لمجموع القبائل ـ أي القواسم المشتركة بين مجموع القبائل ـ وذلك سعياً لتوحيد ودمج الهويات القبائلية المشتتة في هوية قبائلية جماعية موحدة.

وعلى الصعيد الاقتصادي ذكر الباحث أن موجة تدفق الموارد للاقتصاد العُماني تركت بصمتها على التطورات الاجتماعية. وبرز ذلك خصوصاً من خلال الانقسام البيئي للسكان والذي تجسد في الانخفاض الحاد لنسبة البدو الرحل الذين انتقل معظمهم إلى المدن الكبيرة والتي زادت قوة جاذبيتها في النصف الثاني من العقد السابع. وتسبب الارتفاع الحاد في الأجور في أغلب فروع الخدمات وكثرة الحاجيات المستوردة والتكنولوجية الغربية بإضعاف مستمر لأسلوب الحياة البدوية والقروية، وخلقت حركة هجرة داخلية إلى مراكز المدن التي كانت في حاجة للأيدي العاملة خصوصاً في مجالات البناء والخدمات، وقد أحدث هذا التطور تغيراً أساسياً في شكل المجتمع العُماني وجعلت منه مجتمعاً مدينياً في مرحلة التبلور.

وأوضح الباحث أن سلسلة التطورات الاقتصادية والديمغرافية أدت إلى زيادة كبيرة في حجم الطبقة المتوسطة، وقد نبع النمو في حجم هذه الطبقة من نمو البيروقراطية الذي فرضته طبيعة الدور الذي أراد الحكم المركزي أن يلعبه في المجال الاقتصادي. وبيّن الباحث أن المؤسسات الفردية التي استند إليها المجتمع العُماني أصابها الضعف حيث أدت الهجرة واعتماد السكان على الوسائل الحديثة إلى تضاؤل معرفتهم بنظام العمل القديم وموارده المحلية الأمر الذي أضعف الدور المنتج للقرية ودفعه إلى هامش الحلبة الاقتصادية.

وعلى صعيد السياسة الخارجية والاندماج في المحيط أوضح الباحث أن عمان سعت بعد إزالة التهديد المتمثل في ثورة ظفار إلى الاندماج في المحيط العربي والإسلامي والدولي، وفي سبيل تحقيق ذلك عملت عمان على تشجيع إقامة أطر تعاون متعدد المجالات بين دول الخليج، وبادرت إلى طرح نظرية لأمن الخليج في نهاية العقد السابع ترتكز إلى دعم الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً، الأمر الذي لقي رفضاً خليجياً لطرح موضوع العلاقة والتحالف مع الغرب في العلن إلى حد وضع قواعد عسكرية غربية في الخليج ـ على حد قول الباحث ـ لكن التردد الخليجي لم يحل بين عمان وبين طلب التنسيق المنفرد مع الولايات المتحدة على الصعيد العسكري والاستراتيجي والذي انتهى بالسماح للولايات المتحدة باستخدام القواعد العسكرية العُمانية وذلك كأول دولة في الخليج تقوم بهذا الأمر
.
وأوضح الباحث أن عمان رغم سعيها لبلورة نظام أمني عسكري مشترك لدول الخليج فقد اتسمت سياستها الخارجية بالاستقلالية عن بقية دول الخليج، وتمثل ذلك في موقف عمان من إيران الثورة، وهنا يتوقف الباحث ليؤكد على حنكة السلطان قابوس الذي كان حليفاً لشاه إيران قبل الثورة وذلك بسبب العلاقة المميزة للطرفين مع الولايات المتحدة الأمريكية، وذكر الباحث أن السلطان قابوس لم يتخذ موقفاً معادياً من إيران الثورة التي أسقطت الشاه، بل سعى للوصول إلى تفاهمات معها، وحاول أن يستخدم علاقته مع الولايات المتحدة لتحسين علاقته مع إيران الثورة وذلك من خلال عرض الوساطة على إيران ونجح في ذلك. وأضاف الكاتب أن السلطان قابوس اتخذ موقفاً مخالفاً لدول الخليج أثناء الحرب العراقية الإيرانية حيث لم يؤيد العرق بل وقف موقفاً محايداً.

وجاءت الخاتمة تحت عنوان "سلطنة عمان في نهاية القرن العشرين" وتطرق فيها الباحث بشكل مختصر ومركز إلى التطورات التي شهدتها عمان في العقدين الثامن والتاسع من القرن العشرين، وذكر الباحث أن السلطان قابوس واصل نفس النهج على صعيد السياسة الخارجية وعمل على تعميق العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما نشطت عمان في إطار مجلس التعاون الخليجي، وأعطت الجيش والقوات المسلحة أهمية كبيرة من حيث التدريب والتسليح.

وأوضح الباحث أن عمان واصلت اتباع سياسة خارجية مستقلة من خلال إقامة علاقات تجارية واقتصادية مع إسرائيل مشيراً إلى أن هذا التوجه بدأ منذ تأييد قابوس لاتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وأيدت الاقتراح المصري القاضي بتجميد المقاطعة الاقتصادية مع إسرائيل إذا قامت الأخيرة بتجميد الاستيطان في الضفة والقطاع. وأشار الباحث إلى أن أبرز مجالات التعاون بين عمان وإسرائيل يتمثل في مساهمة الأخيرة في مشاريع تحلية المياه في سلطنة عمان، لكن ظلت عمان تولي أهمية كبرى لتغيرات الرأي العام العُماني والعربي، وأعلنت أكثر من مرة أنها مستعدة لإغلاق المكتب التجاري في مسقط بسبب الجمود في العملية السياسية.

وأشار الباحث إلى أن التطور الأبرز في السنوات الأخيرة من العقد تمثل في عملية الدمقرطة وتشكيل مجالس نيابية وفتح الجهاز السياسي أمام مزيد من المشاركة الشعبية، لكن الكاتب أوضح أن هذه العملية بقيت محدودة، ودور المجلس المنتخب كان استشارياً ولم يتعد هذا الدور. أما القضية التي تعتبر بمثابة تحدي للنظام العُماني فهي مسألة وراثة العرش، حيث لا يوجد للسلطان أبناء أو أخوة، ويوجد العديد من الطامحين في وراثة العرش من أبناء العائلة الحاكمة. ولم يتجرأ أحد على طرح الموضوع للنقاش العلني لكن دستور 1996 نص على أنه في حال غياب السلطان سيجتمع مجلس الأمراء للعائلة الحاكمة ليختار السلطان الجديد. وعلى صعيد آخر ذكر الباحث أن عُمان تواجه نقصاً مستمراً في عوائد النفط، الأمر الذي يجعل الدولة غير قادرة على تحمل الأعباء التي حملتها لنفسها في إدارة جهاز بيروقراطي ضخم، ولهذا فقد بدأت عُمان تتبنى سياسة الخصخصة وبيع مؤسسات القطاع العام، كما بدأت تفرض الضرائب حتى تتمكن من توفير موارد للإنفاق على جهاز الدولة.

اللافت في كتاب "عُمان الجديدة" هو اهتمام الباحثين الإسرائيليين بدراسة هذا الموضوع رغم أن عُمان ليست دولة عربية كبيرة، وليست من دول الطوق كذلك، وليست من الدول الداعمة لمنظمة التحرير الفلسطينية أو لأي من قوى المقاومة الإسلامية، بمعنى أن عُمان لا تشكل أي تهديد على إسرائيل سواء مباشر أو غير مباشر، لكن عمان في المقابل تحظى بموقع استراتيجي هام ربما يهتم الباحثون الإسرائيليون بوضع موطئ قدم لدولتهم أو لقواتهم فيه. والأمر الثاني الذي يثير الانتباه في كتاب "عُمان الجديدة" يتمثل في قدرة الباحث الإسرائيلي على الوصول لمصادر المعلومات عن دولة بعيدة جداً عن إسرائيل من صحف ودوريات قديمة وحديثة وسجلات حكومية وكتب ومؤلفات، فهل يتوفر هذا للباحث العربي عن إسرائيل؟!.

نقلا من الموقع
 
.

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة