site meter

search

Google

result

Wednesday, June 3, 2009

وقائع موت معلن

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب عماني

1

في رواية ( وقائع موت معلن ) للكولومبي جبرييل جارسيا ماركيز يدفع سانتياجو نصّار حياته ثمنا لكذبة أطلقتها انجيلا فيكاريو بأنه هو الذي اغتصبها وتخلى عنها مما جعل أهلها يقررون قتله انتقاما لشرفها لقد أقامت انجيلا علاقة غرامية مع شخص ما وبعدما افتضح أمرها وأصرعليها إخوتها الأقوياء والمعتدّون بأنفسهم كي تقول من الفاعل أرادت حماية حبيبها الحقيقي فذكرت اسم سانتياجو نصار، وكان الحكم قاطعاً بالنسبة إلى إخوتها الذين كانوا يحتاجون الى اسم ، أي اسم كي يثأروا وينظفوا اسم العائلة فكان اسم سانتياجو نصار فتم قتله علنا أمام الملأ والقرية كلها كانت تعلم أنه سيتم قتله وأنه بريء من تلك التهمة


إن أشقاء أنجيلا ليسوا المجرمين الوحيدين في هذا الإطار بل البلدة كلها شريكة في الجريمة متواطئة في تنفيذها ، ولعل كلمة - معلن - التي تأتي صاخبة في عنوان الكتاب قادرة أن تختصر الأمر كله ، ففعل القتل الذي يقرره إخوة انجيلا يأتي علنا أشبه بحكم إعدام معلن ، الكل عارف به والكل صامت حوله وكأنه لا يعرف شيئاً بصدده بل إن تنفيذ الحكم يأتي علنا وأمام الملأ وكأن الكل متواطئ فيه بمعنى أن مهمة الثأرتقع على الجماعة كلها سواء كانت مدعوة الى فعل مباشر أو إلى تواطؤ ما


يوجه ماركيز في تلك الرواية إدانة واضحة الى الجماعة التي تكون هي خصم الفرد والحاكم والحكم ومنفذ حكم الإعدام مرة والساكت عنه مرة أخرى ، وفي هذا يقول الدكتور إبراهيم العريس :إن لهذه الفكرة سوابق كثيرة في القرن العشرين تكشف خطأ الجماعة وجبنها وهيجانها من دون أي منطق أو عقلانية أو تفكير في أن الحقيقة يمكن أن تكون غير ما قيل لها لقد تذكرت رواية وقائع موت معلن وأنا أتابع تقرير الهجوم الإسرائيلي المتوقع على المفاعل النووي الإيراني وهو ما أعاد إلى ذهني أيضا كل ما سبق وأن نشر قبل الغزو الأمريكي على العراق وهو ما تحقق بالفعل ويكفي نظرة واحدة سريعة على ما نشر قبل الغزو الأمريكي على العراق ليتأكد المرء أن ما قيل قبل العزو هو الذي تحقق بحذافيره أثناءه

2

وقد حذر تقرير متخصص أعده مركز الدراسات الإستراتيجية في واشنطن من موت الآلاف من الخليجيين إذا أقدمت إسرائيل على قصف المنشآت النووية الإيرانية ، وأوضح التقرير أن الهجوم الاسرائيلي على المفاعل النووي الإيراني في بوشهر سيؤدي الى كارثة بيئية وموت الكثير من البشر نتيجة التلوث الإشعاعي المنبعث من المواد المشعة في منطقة واسعة جدا مشيرا إلى أن آلاف الإيرانيين القاطنين بالقرب من المفاعل سيفقدون حياتهم فورا إضافة الى آلاف سيصابون بأمراض السرطان المختلفة في حين ستسبب الرياح الشمالية التي تهب على المنطقة معظم أيام العام تلوثا إشعاعيا سيضرب دولة البحرين وقطر والإمارات وسيؤدي إلى موت الكثير من المواطنين إضافة لإصابة قسم كبير بأمراض السرطان وقدر التقرير الاستراتيجي أن الضربة الإسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية لن تتعدى نهاية العام الجاري وستشارك فيها جميع طائرات سلاح الجو الإسرائيلي إذا لم يتم منع تل ابيب من تنفيذ مخططها


وحسب التقرير الذي نشرته صحيفة 'هآرتس' الإسرائيلية يوم الجمعة 15/5/2009 فإن 90 طائرة مقاتلة ستعبر الأجواء باتجاه الحدود التركية السورية ترافقها جميع طائرات التزود بالوقود التي تمتلكها إسرائيل لتواصل طريقها باتجاه شمال العراق ومن هناك إلى إيران لتسقط قنابل زنة 2 طن، وأخرى تزن 2250 كيلو جراما على المنشآت النووية الايرانية مدعومة بحوالي 42 صاروخ أرض - أرض من طراز 'يريحو' تنطلق من الأراضي الإسرائيلية لتصيب أهدافها في إيران واستعرض التقرير الواقع في 114 صفحة السيناريو المتوقع للهجوم الإسرائيلي المفترض على إيران والذي توقع بأن حدوثه لن يتجاوز نهاية العام الحالي حيث توصل معدا التقرير 'د. عبدالله طوقان ' و'جوردسمن' بعد تحليل كافة الخيارات الهجومية المتوافرة لدى إسرائيل إلى نتيجة أن هجوما جويا إسرائيليا ضد منشآت إيران النووية أمر متوقع وممكن لكنه سيكون معقدا ويحمل في طياته مخاطر كبيرة على الصعيد التنفيذي دون أن يضمن مستويات نجاح كبيرة ، لذلك يعتبر مثل هذا الهجوم خطرا بشكل لا مثيل له


وحسب التقرير سيلجأ سلاح الجو الاسرائيلي الى استخدام تكنولوجيا متقدمة جدا تمكن من اختراق منظومات الاتصالات وأجهزة الرادار التابعة للدول التي ستحلق فوقها طائرات F15 و F16 لمنع اكتشافها وهي في طريقها إلى إيران وجاء في التقرير أنه وحتى تتم مهاجمة المواقع الإيرانية الثلاثة هناك حاجة لإرسال ما لا يقل عن 90 طائرة حربية سيتم تزويدها بالوقود في طريق الذهاب وطريق العودة وسيجد سلاح الجو صعوبة كبيرة في ايجاد منطقة يمكن لطائرات التزود بالوقود التحليق فوقها دون أن يكتشف أمرها على يد السوريين أو الأتراك


ويركز التقرير على متانة التحصينات الإيرانية حول منشآتها النووية ويقول لكي يتغلب سلاح الجو الاسرائيلي على التحصينات الإيرانية عليه أن يستخدم نوعين من القنابل من إنتاج أمريكي ترجح مصادر أجنبية ابتياع اسرائيل 600 قذيفه منها ، وحملت هذه القذائف اسم ( مدمرة الخنادق والتحصينات ) والتي تزن 900 كيلو جرام وتخترق طبقة اسمنت سميكة إضافة إلى طبقة من الرمل والأتربة ، وحتى يتم ذلك يتوجب على الطائرات الاسرائيلية إصابة الأهداف بدقة متناهية ومن زاوية صحيحة


وحتى بهذه التجهيزات وفق التقرير لم تنته التحديات التي ستواجه الطائرات الإسرائيلية حيث أقامت إيران منظومة دفاع جوي كثيفة ستجعل أمر وصول الطائرات الإسرائيلية إلى أهدافها دون أن تصاب أمرا صعبا


وامتنع معدو التقرير عن التلميح لإمكانية استخدام اسرائيل للرؤوس النووية مشيرين إلى ضرورة اطلاق 42 صاروخا لتدمير الأهداف الإيرانية الثلاثة على فرض أن جميع الصواريخ ستصيب أهدافها بدقة ، وهذا أمر صعب جدا حيث لا تكفي إصابة منطقة الهدف لتدميره ويجب إصابة مناطق محددة جدا في تلك الأهداف لا يزيد حجمها على عدة أمتار وهنا يثار الشك حول امكانية الاعتماد على دقة الصواريخ الاسرائيلية 'يريحو'


أما على صعيد الرد الإيراني فأشار معدو التقرير إلى أن هناك امكانية أن تسعى إيران لضرب اسرائيل مباشرة وهي قادرة على اطلاق صواريخ شهاب 3 التي تغطي في مداها جميع الأراضي الإسرائيلية باتجاه أهداف داخل اسرائيل مع امكانية أن يحمل بعضها رؤوسا حربية كيماوية


وأشار التقرير الى قدرة الإيرانيين على مهاجمة وضرب المصالح الأمريكية في المنطقة وعلى وجه الخصوص القوات الامريكية في دول الخليج مثل قطر والبحرين ، وشدد التقرير على إمكانية إقدام الإيرانيين على عرقلة تصدير النفط من منطقة الخليج إلى الغرب أو التشويش على عملية التصدير

3

إذن نحن أمام تفاصيل موت معلن ِ، ومثل هذا الموت له فوائد أحيانا هي أن تستعد الضحية له بكل ما تملك من قوة ، ونحن في تاريخنا البعيد والقريب كم مرّ علينا في حياتنا مثل بطل رواية وقائع موت معلن سانتياجو نصّار ؟ وكم دفع الأبرياء حياتهم ثمنا لذنب لم يقترفوه في وقت نرى فيه المجرمين الحقيقيين يسرحون ويمرحون دون حساب ولا عقاب ؟ وكم رأينا في حياتنا من يدفع الثمن غاليا بسبب كذبة مثل كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية ، إننا رأينا في الرواية أن البلدة كلها شريكة في الجريمة متواطئة في تنفيذها فالكل عارف والكل صامت وكأنه لا يعرف شيئاً بصددها ، بل إن تنفيذ الحكم يأتي علنا وأمام الملأ و الكل متواطئ فيه سواء بفعل مباشر أو بتواطؤ ما ، وفي الحالة الإيرانية فإن الكل مشارك فيه سواء بالفعل المباشر أو التواطؤ من خلال التصريحات التي عمت الوطن العربي كله حول خطورة إيران وصداقة إسرائيل .


لدرجة أن يقول بنيامين نتانياهو بعد زيارته لمصر والأردن ( إن هناك مؤشرات جيدة الآن حيث لأول مرة نجد أن وجهات النظر في إسرائيل والعالم العربي متطابقة حول الخطر الإيراني ) وفي حقيقة الأمر فإن تصريحا مثل هذا يعتبر عارا في جبين الأمة ! ولكن هل اكتفى نتانياهو بذلك فقط ؟ فها هو يقول أيضا في اجتماع لكتلة الليكود يوم 25/5/2009 ، ( إن إيران ليست مشكلة خاصة لإسرائيل بل لكل العالم فمن الآن وصاعدا إسرائيل على الرأس ، وإذا لم نَقُدْ نحن الدفاع ضد الخطر الإيراني ونربط الولايات المتحدة ودول العالم به فإن أحدا لن يفعل ذلك ) وهذه العبارة تلخص الوضع كاملا ولا تحتاج إلى كبير عناء لتفسيرها فإسرائيل هي التي تقود التحالف ضد إيران كما قادت التحالف ضد العراق من قبل وهي التي ستقود التحالف فيما بعد ضد دولة عربية أخرى ، والعرب ليسوا إلا منفذين للمخططات الإسرائيلية بأموالهم على حساب الشعوب وبأراضيهم وسماواتهم وبحارهم ، ومع ذلك يوجد بيننا من يرى أن إيران هي العدو وأن إسرائيل هي الصديق أو الحليف !


للأسف بعد كل ما يحدث لإيران سيأتي اليوم الذي نجد فيه من يبكي الأوضاع السيئة في المنطقة مثلما وجدنا من يبكي على العراق وهو من شارك في تدميره واحتلاله سواء بفعل مباشر أو بالتواطؤ وهو الذي يصرخ الآن ليلا ونهارا عن خطورة النفوذ أو التمدد الإيراني في العراق وغيره ، ثم سنجد بعد إيران عدوا آخر من بيننا سيتكالب الكل عليه تماما مثلما كان من قبل مع العراق ومع إيران

4

يرى البعض أن إسرائيل لن تهاجم إيران لأن إيران دولة قوية وسترد بعنف وستلحق أضرارا بليغة بالمصالح الأمريكية في المنطقة ، فيما يرى آخرون أن إسرائيل لن تهاجم إيران لأن إيران عميلة لأمريكا ، فيما يرى الطرف الثالث مستهزئا أن الأخوة الإسلامية ستقف حائلا دون الضربة وأن الدول العربية من القوة بمكان بحيث ستكتشف راداراتها الطائرات الإسرائيلية ، ولكن سواء كان هذا أو ذاك أو ذلك فإننا أمام وقائع موت معلن !


نشر في جريدة الشبيبة العمانية 2 يونيو 2009م

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة