site meter

search

Google

result

Wednesday, October 29, 2008

ما بعد الإستعمار والفساد في الدول العربية

زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
في إحدى المرات قال لي الزميل عبد العزيز بن علي السعدون – وهو إعلامي قديم وقدير – قال لي إنه زار روديسيا قبل أن تنال الاستقلال فوجدها بلدا متطورا آمنا ومستقرا وهو أقرب إلى الدول الأوروبية في كل شيء ، وبعد عشر سنوات زارها بعد أن نالت استقلالها وأصبحت تسمى باسمها القديم زيمبابوي فإذا هي قد عادت إلى الوراء 50 عاما في كل شيء وما قاله السعدون قاله الكثيرون من الذين اكتووا بنيران المستعمرين بعد أن ذاقوا جنة الاستقلال أو الحكم الوطني ثم أصبحوا يترحمون على أيام الاستعمار، وقد يكون لهم أسبابهم ومبرراتهم في ذلك لقد اعتقدت الشعوب التي كانت تحت الاستعمار بأنها ستجني ثمار الاستقلال سريعا بعد النضال والتضحيات التي قدمتها في سبيل ذلك لكنها اكتشفت نفسها أنها كانت حالمة لأن الموارد كلها كانت قد نهبت أو أنها مربوطة بنظم دولية ومعاهدات تواصل النهب ، ثم اكتشفت أن قادة التحرر وجدوا لأنفسهم سلطة على رعاياهم فقط ولم يجدوا سلطة على غيرهم ، وأمام مطالب الشعوب وعجز القادة أدى هذا إلى أن يوجه هؤلاء القادة أسلحتهم إلى عدو جديد لم يكن في حسبانهم هذا العدو هو الشعب داخل الوطن ، وفي ظل الصراع في الداخل ظهرت فئة من المستفيدين – وهم موجودون في كل زمان ومكان – استطاعوا أن يكوّنوا ثروات ورتبوا لأنفسهم مصالح مع الجلادين القدامى وأصبحوا وجها آخر من وجوه الاستعمار حتى وإن لبسوا اللباس الوطني وتكلموا باللهجة المحلية ورفعوا الشعارات الرنانة ، وهو ما انتبه إليه حكيم الهند ( جواهر لال نهرو )عندما قال مخاطبا المجتمعين في قمة باندوج التي أسست لما عرف فيما بعد بعدم الانحياز حيث قال : ( إن المستعمرين السابقين قد رتبوا أنفسهم قبل أن يوافقوا على الاستقلال وأقاموا أوضاعا جديدة تستبدل الأعلام القديمة بأعلام جديدة ولكن هل سيغير هذا من واقع الأمر شيئا ؟ سوف تجدون أنفسكم أمام مشاكل ، وسوف يندفع بعضكم إلى أن يطلب من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي قروضا ، فهل سألتم أنفسكم من هم هؤلاء الذين يسيطرون على صندوق النقد الدولي وعلى البنك الدولي ؟ إنهم نفس جلاديكم السابقين ، أي أنكم تذهبون إلى الأسياد القدامى طالبين منهم أن يساعدوكم على مسؤولية الاستقلال ) وأي وضع هذا الذي يستنجد فيه الضحية بالجاني حتى يساعده على تلافي جريمته ؟ ! قبل أن تعود هونج كونج إلى السيادة الصينية بسنتين – وقد كان ذلك حدثا ينتظره الكثيرون - سألت إحدى الصينيات ما هو موقفها من عودة هونج كونج إلى الوطن الأم فقالت لي إن ذلك لا يمثل شيئا بالنسبة لها فسألتها لماذا ؟ فقالت إن وضعها الآن جيد وتنال حقوقها كاملة وتعيش حياتها بالطول والعرض وتخشى أن تفقد هذه الميزات في ظل وجود حكم وطني ، وفي ذلك الوقت كنت متأثرا بشعارات الاستقلال والوطنية فإني اتهمتها في وطنيتها وقلت إن هذه المرأة نموذج صارخ من نماذج صنع الاستعمار وغسل العقول وأذكر أن أحد التنزانيين قال لي إنه لا يهمه أن تكون تنزانيا مستقلة أو مستعمرة طالما أنه يجد حقه كاملا مع أي منهما فما معنى أن تكون بلاده مستقلة ولا يجد الغذاء والتعليم والعلاج والخدمات والأمن في وقت ينتشر الفساد في البر والبحر والجو ، وما معنى أن تكون بلاده مستعمرة وهو يجد الغذاء والحماية والأمن والتعليم والعلاج وكل الخدمات ؟ ثم ركز على نقطة أخرى وهي أهمية وجود جهاز محاسبة الفساد في الإدارة المالية وفي المحسوبية وفي كل شيء وأن القضاء على الفساد هو سمة أي مجتمع متطور وأن هذا قد اختفى بذهاب الاستعمار الإنجليزي عن تنزانيا وعن معظم مناطق أفريقيا .
2
من الخطأ طبعا القول إن الاستعمار جيد وإنه أرحم من الحكم الوطني ولكن لا بد من أخذ وجهة النظر التي تقول ما فائدة الحكم الوطني إذا كان أسوأ من الاستعمار وما فائدة الحكم الوطني إذا استبدل بأشخاص آخرين لكنهم فعلوا أسوأ مما فعله المستعمرون ؟ إن الحديث عن الفساد والذي أصبح الآن سمة من سمات المجتمعات في العالم الثالث مع وجود هذه القفزة الهائلة في عالم الاتصالات هو الذي أدى إلى طرح تلك التساؤلات عن الاستعمار رغم رحيله الشكلي من زمان وبما أن ظاهرة الفساد الإداري والمالي والرشوة والمحسوبية أصبحت تهدد العالم كله حيث شاركت فيها الدول كما شارك فيها الأفراد ، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاتفاق الدولي لمكافحة الفساد وذلك في عام 2003 للحد من خطورة هذه الظاهرة وذلك بحثّ الدول على التعاون من أجل التصدي لهذا المرض ، وإن كان الاتفاق غير ملزم لأحد ويصعب تطبيقه في عالم الواقع ، إلا أنه كان إنذارا بوجود مشكلة كبيرة ارتقت إلى مستوى ظاهرة وأصبحت تهدد حتى العلاقات بين الدول بعضها ببعض ولنا في اتفاقيات صفقات الأسلحة مثلا وما رافقها من دفع عمولات خيالية وما أثير حول هذا الموضوع من نقاشات ومداولات وصلت إلى التهديد بقطع العلاقات بين بعض الدول وقد طرح موقع ( العربية نت ) موضوعا للنقاش عن الفساد في الوطن العربي نقلا عن جريدة الحياة اللندنية ، وذلك في 5/4/2008 حيث نال الموضوع العديد من المشاركات والآراء مما يدل على أن وعي المواطنين العرب بخطورة هذه الظاهرة وعي كبير ومن هناك سأنقل بعض الآراء في الفقرة التالية
3
لا شك أن واحدا من أهم طرق مكافحة الفساد هو متابعة رؤوس الفساد والمفسدين وكشف جرائمهم واسترداد المال العام والخاص الذي نهبوه بغير حق وتقديمهم للعدالة لإنزال العقاب الرادع بهم بقطع شأفة جرائمهم ليكونوا عبرة لغيرهم ، لأن المفسدين وآكلي الرشوة أعضاء مريضة متعفنة إذا لم تعالج سرى سمها في جسد الأمة كلها ولا علاج لها إلا البتر والقطع إن الفساد إذا استشرى أصبح آفة تهدد الاقتصاد والتنمية وتضر بالبلاد والعباد وتجعل الطريق ميسورا لتسيطر فئة قليلة على أموال الدول والشعوب بغير وجه حق ويجب أن يكون عقاب المفسدين رادعا بل قاسيا ، وللأسف فإن الدول العربية تحتل مرتبة متقدمة في الفساد لأن السيطرة الاقتصادية في العالم أصبحت لشركات الدول الصناعية الكبرى التي يسيطر نحو 600 منها على النسبة الكبرى من حجم التجارة العالمية خاصة مع الدول العربية ، ولكي تفوز بعقود ضخمة بعشرات البلايين من الدولارات لا يضيرها أن تمرر هذه الصفقات عن طريق الرشوة وتضاعف الأسعار حيث تذهب بلايين الدولارات إلى خزائن تلك الشركات وجيوب الوسطاء ومتلقي الرشوة على حساب الدول والشعوب ومع الثروات الهائلة التي هطلت على الدول العربية خصوصا الدول المنتجة للنفط زاد الفساد وأصبح يمثل معول هدم فهو عامل رئيسي في تبذير الأموال وانتهائها في جيوب قلة فاسدة وقد ذكرت شركة ( بروليدز إن ) للأبحاث أن في دول مجلس التعاون الخليجي وحدها يزيد حجم المشاريع العقارية الجديدة على تريليون دولار في ميدان مؤسسات التعليم والصحة والرياضة والحدائق والمتنزهات والفنادق ومشاريع أخرى ، ناهيك عن المشاريع الكبرى الأخرى في البنية الأساسية من طرق وجسور وموانيء ومطارات ، ويقفز الرقم إلى أكثر من ذلك مما يجعل لعاب الشركات الكبرى يسيل ويجعلها تحرص على الحصول على نصيب كبير من الكعكة الدسمة وهي لا تتردد في دفع مبالغ كبيرة كرشاوى يساعدها على ذلك ضعف أو غياب الرقابة
4
هناك الآن مشكلة هي أزمة الثقة بين القيادات والشعوب ، وتحتاج الحكومات إلى جهود كبيرة لاستعادة ثقة شعوبها وذلك بالتصدي الحازم للفساد الإداري والمالي والخلقي والقضاء على المحسوبية والرشوة التي أصبحت منتشرة حتى عند صغار الموظفين كنتيجة منطقية لفساد الكبار ، وأصبح المواطن العربي يتلفت يمينا وشمالا ويرى الرشوة وقد غلبت في المجتمعات ويرى الواسطة هي المسيطرة على كل شيء ويرى أناسا كانوا يعيشون في فقر مدقع وما إن ارتقوا إلى الكرسي حتى أصبحوا فجأة من أغنياء المجتمع ووجهائه ، وأصبحت فئة صغيرة تملك أرقاما فلكية لا نستطيع أن نلفظها أو نكتبها لكثرة الأصفار في اليمين فيما الغالبية العظمى تتسول للدجاج والخبز اليابس في دول نفطية تقيم المشاريع بالمليارات .وحتى تصل الحكومات ثانية إلى كسب ثقة الشعوب عليها أن تكون قدوة ، وهذه النقطة مهمة لأن الناس يتقبلون عندما يثقون أن الذين يدعونهم إلى شيء هم الذين يطبقونه أولا على أنفسهم ، وعندما يحس المواطن أن القيادة تمثله ويؤمن بإخلاصها وقدرتها وحكمتها فإنه يتفاعل مع قراراتها حين تصدر ولا يعتبرها مجرد أوامر من أعلى ، إن نفذها ينفذها خوفا وليس حبا وتقديرا وولاء . والملاحظ الآن هو أن المواطن العربي يمارس مقاومة سلبية وهي المقاومة التي وصفها الأستاذ أحمد بهاء الدين بأن المواطن لا يتفاعل أبدا مع قرارات حكومته وإن قبلها فإنه يقبلها على مضض ، وتبقى الكلمة التي قالها جلالة السلطان المعظم حفظه الله في عام 1977 نبراسا يضيء لمن أراد أن يستنير حيث قال : إن الوظيفة تكليف ومسؤولية قبل أن تكون تشريفا ، ومن هنا يجيء الترحيب بالحملة الواسعة لمكافحة الفساد الإداري والمالي في البلاد
نشرت في

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة