site meter

search

Google

result

Friday, May 6, 2011

التركيز على بناء جيل عماني جديد

زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني

” 1 ”

لقد تساءل الشيخ موسى الربخي خطيب الجمعة في جامع السيد طارق بن تيمور بعد أن ذكر تكريم الله للبشر، هل يليق بمن خُص بهذه المنزلة وأُكرم هذا الإكرام أن يكون أداة هدم وتخريب ومعول فناء وإفناء وسببا لإزهاق الأرواح ونزول البلاء ؟ ثم أوضح الخطيب أن طائفة من شباب المجتمع أبت على نفسها إلا أن تبدد الأمن وترفع الأمان لتضع محله الفزع والهلع وحملت على عاتقها أن تجعل مكان الفرح حزنا وموضع البسمة عويلا وبكاء

في الوهلة الأولى ظننت أن الخطيب سيتحدث عن الأحداث الأخيرة في السلطنة وعن أخلاق الشباب العماني وما أصابها من تغير خلال السنوات الأخيرة إلا أنه ركز على جانب واحد هو الحوادث المفجعة المروعة التي يذهب ضحيتها المئات سنويا نتيجة الطيش والاستهتار وهو في الواقع موضوع هام يحتاج إلى الاهتمام وتسليط الضوء عليه إلا أن المسألة تحتاج إلى أن تشمل أخلاق الشباب العماني عامة

إن ما يؤسف له هو أن الدولة تحصد وتجني الآن ثمار أخطائها الكثيرة تجاه الشباب إذ أن توجهها العام خلال السنوات الماضية اتجه اتجاها قويا إلى العلمانية تاركة الأخلاق وراء الظهر تطبيقا للمفهوم الخاطيء وهو أن التدين أو الدين بصفة عامة موازٍ لكلمة الإرهاب ، وقد اتجه كل شيء إلى تحقيق هدف واحد هو إفساد أخلاق الشباب إبتداء من إلغاء التربية الإسلامية من المناهج تنفيذا للرغبات الامريكية مرورا بإلغاء دور المساجد وجعلها مكانا للصلاة فقط ، وفتح أندية الدعارة تحت مسميات مختلفة، وفتح الشقق الفندقية للشباب لممارسة كل الردائل تحت سمع وبصر الحكومة، وانتشار الخمارات، وتخصيص وزارة للرياضة فقط دون الاهتمام بالشباب إضافة إلى غياب الدور الحقيقي للأندية التي ظلت للرياضة فقط دون أي دور مجتمعي حقيقي ، وليس انتهاء من إلغاء المنتديات الصيفية التي كانت تقام لشباب الجامعات والتي كانت تبني الشباب بناء حقيقيا من خلال المساهمة في خدمة المجتمع، وكان المسؤولون بكافة مستوياتهم يلتقون بهم ويتم النقاش في كل شيء، هذا كله مع غياب دور الإعلام الهادف إلى بناء الشباب حتى جاء اليوم الذي رأينا فيه شبابا لا يهمهم شيء إلا تحقيق الأثرة والأنانية لدرجة أن يغيب عنهم مفهوم الوطن والوطنية، وهو الذي تسبب في الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة والإضرار بمصالح المجتمع في انحطاط أقرب إلى الحيوانية مع تلفظ بألفاظ بذيئة أمام المسؤولين وعن المسؤولين ، وأصبح هم الواحد جمع المال بأي حال كان ، فانتشرت الجمعيات والمحافظ الوهمية وانتشرت الرشوة والفساد في كل شيء ، ويكفي أن تلقي نظرة سريعة على أسلوب السياقة وعلى مجموعات الشباب والشابات في المجمعات التجارية لتحكم على أي نوعية من الشباب هم .!

إن المقام سيطول إذا شرحنا كيف كانت أخلاق الإنسان العماني وكيف أصبحت الآن ولكن المهم هو التركيز على بناء الجيل الجديد من الشباب العماني وتعريفه معنى الوطن والوطنية ، وقد قال أحدهم يوما ( قل لي ما هي الأفكار التي تجول في رؤوس شبان العصر، أقل لك أخلاق الناس في العصر القادم ) وهو بالفعل قول بليغ ، ويأتي في المقام الأول طبعا الاهتمام بتدريسه وتثقيفه وملء فراغه بما ينفعه وينفع الوطن وإيجاد الوظيفة المناسبة له بعد تأهيله التأهيل المناسب لأن البطالة نقطة رئيسية في كل فساد يحيق بالمجتمع، وأعداد الباحثين عن العمل من الشباب تراكمت على مدى سنوات طويلة حتى تجاوز سقفَ مئتي الف عاطل أو باحث عن العمل ، في وقت اهتمت فيه الدولة على الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020 ، وسمع الشباب من وسائل الإعلام يوميا مشاريع بمليارات الريالات ومشاريع عملاقة وكلها مستقبلية دون أن يستفيد منها المواطن وخاصة الشباب وكأنّ لسان الحال يقول : ( عليكم أن تصبروا وتتحملوا التعب في الأرض لأننا نبني لكم قصورا في القمر !) ، فالتوظيف نقطة أساسية ومحورية في بناء الشباب وإبعاده عن الضياع لأن المشكلة سوف تزداد إذا لم تكن هناك خطة متكاملة لتشغيل الشباب فالعدد سنويا في ازدياد إذا كانت مخرجات الثانوية العامة سنويا تزيد على 50 الف طالب مما يعني أن هؤلاء الشباب – على المدى القريب والبعيد – يُعدّون قنبلة موقوتة

 

” 2 ”

إن التربية الأساسية على الأخلاق بعد البيت تكمن في المناهج الدراسية فمناهج المواد الإنسانية كالتربية الإسلامية واللغة العربية والتاريخ والتربية الوطنية هي مساهم هام في تشكيل الشخصية، فإذا ما كانت هذه المواد راسخة سيكون أثرها مخالفا للمواد ضعيفة التأسيس، فاختيار الآيات والأحاديث والقصائد والخطب والآداب والنماذج التاريخية والوطنية لكل مرحلة بشكل يبني الشخصية الخلوقة الواعية أمر حيوي ولا يحسنه إلا عباقرة التربويين وقليل ما هم، وقديما قال الخليفة عمربن الخطاب رضي الله عنه : علموا أولادكم لامية العرب فإنها تعلمهم مكارم الأخلاق، وعليه فالواجب يحتم الآن إعادة صياغة المناهج العمانية باختيار لجنة تأليف من طاقم مشهود له بالقدرة والأمانة ، ثم يكون التعديل فيها من بعد – إن لزم – باستشارة لجان مختلفة في الدولة والمجتمع مثل مكتب الإفتاء ومجلس الشورى بل وحتى باستفتاء شعبي وهو سهل وميسر الآن بوجود وسائل الإعلام المختلفة

على أنه يجب أن تكون المهمة الأساسية لوزراة التربية والتعليم هي التربية قبل التعليم بأن تكون المدارس مؤسسات حقيقية لبناء الشباب لأن الواضح الآن هو غياب التربية وغياب التعليم في آن واحد وهذا كلام في العموميات بحيث توجد هناك استثناءات بالتأكيد ، ولكن الؤكد أننا نجد خريجي الثانوية لا يعرفون أبسط قواعد القراءة والكتابة كما أننا نجد أن ثقافة خريجي الجامعة متدنية ، وهذا يعيدنا إلى المربع الأول وهو خطأ إلغاء المدارس الأهلية لتحفيظ النشء القرآن الكريم حيث كان الأطفال يتعلمون القاعدة البغدادية التي كانت أهم ركيزة في تعليم القراءة والكتابة الصحيحين

إذا كانت أمريكا تحارب مدارس تحفيظ القرآن الكريم بحجة أنها تفرخ الإرهابيين وتحارب أي مظهر منه مظاهر التدين أو الأخلاق وتتدخل في تغيير المناهج العربية والإسلامية باعتبار أن ذلك يحقق سياستها في المنطقة والتي تصب في مصلحة الإنفراد الإسرائيلي في الساحة العربية إلّا أن على المسؤولين أن يعوا تماما أن أمريكا هي أول من يتخلى عن حلفائها وعن كل من يأتمر بأمرها وينفذ أجندتها في أول هبة ريح ، والأمثلة أمامنا عبر التاريخ كثيرة ولن يكون آخرهم الرئيس حسني مبارك

إن صيفا طويلا يمر على شبابنا وعلى أبنائنا دون أن يستفيد أحد منهم ودون أن يستفيدوا هم أيضا ، لذا تجد الشباب في بطالة وفراغ روحي ونفسي كبيرين ، والبطالة شيء رهيب لأن النفس إذا لم تشتغل بحقٍ فإنها ستبحث عن باطل تعمل فيه ، ولا أدري ما السر في إلغاء مراكز تحفيظ القرآن والمراكز الصيفية التي تعلم الشباب القرآن وعلومه ؟، وما السر في إلغاء المعسكرات الشبابية الصيفية التي كانت تملأ فراغ الشباب وتبني جيلا صالحا للوطن ؟!

لذا على الدولة أن تضع مشروعات كثيرة للشباب في الصيف وأن تخطط لبرامج موصولة لبناء الشباب وتبعد عنهم الفراغ العقلي والروحي ، ويتم تأهيلهم تأهيلا خُلقيا ودينيا وعلميا وعسكريا ورياضيا واجتماعيا حتى يكونوا صالحين لوطنهم فقوة أي دولة وسلامتها تتوقفان على الفضائل التي يتحلى بها شبابها وعلى مدى استغلال طاقة هؤلاء الشباب، وهي طاقة مبدعة ورائعة إن أحسنّا استغلالها وتوجيهها ، وفترة الشباب هي أكثر الفترات أهمية في عمر أي مجتمع فهو الزمن الذي تنشأ فيه العادات وتتكون الأخلاق والمباديء وتتأصل في النفس وتتكون فيه الاتجاهات المختلفة ومنها يتخذ الإنسان صفة ثابتة

” 3 ”

مع وجود المئات من القنوات الفضائية ووجود شبكة الانترنيت وما في جعبتها لم يعد لوسائل الإعلام المحلية دور كبير في التأثير على الناس وخاصة الشباب إلا أن هذه الوسائل تستطيع أن تصل إلى قطاع كبير من الناس إذا أرادت ذلك واهتمت بقضايا الناس وخرج المذيعون والمخرجون والمصورون إلى الشارع والتمسوا الناس ومشاكلهم بدلا من الإنغلاق داخل الأستوديو والاعتماد فقط على الهواتف

لقد لعبت هذه الوسائل دورا في ضياع أخلاق الشباب فالمستمع أحيانا يركز على ما تبثه هذه الوسائل لساعات ولا يجد فيها فائدة غير الترفيه الرخيص والمبتذل فقط من خلال طرح مواضيع تافهة للنقاش وحشو عقول الناس ببذيء القول دون وجود نقاش جاد ، مثل ذلك النقاش المطرح على الهواء عن نوعية الملابس التي تعجبك ويتصل أحد المواطنين ويقول إن الملابس العمانية تركناها فقط للبيت والنوم ، وذلك النقاش حول نوعية الآيس كريم الذي يعجبك ، وكل واحد يدلو بدلوه .!

والحديث عن دور الإعلام في بناء الأمة يحتاج إلى مقالات كثيرة مستقلة فقط يجب التنويه على أننا بحاجة إلى إعادة صياغة رسالة الإعلام في عمان حتى نعيد بناء أخلاق الشباب

ويجدر بي أن أذكر بعض المواقف في مقالي هذا لعل وعسى تلقي الضوء على الموضوع:

الموقف الأول : زارت السلطنة امرأة ألمانية فقالت لمضيفتها ما هذا الذي حصل عندكم ؟! لقد زرت عمان في الثمانينيات من القرن الماضي وحضرت مباراة كرة القدم بين فريقي ظفار وفنجا فإذا بي أتفاجأ بمستوى أخلاق الشباب العماني، وكتبت مقالا في إحدى الصحف الألمانية مشيدة بهذا المستوى النراقي ، وبعد أكثر من 20 عاما زرتها مرة ثانية في مهرجان مسقط وزرت المجمعات التجارية وإذا بي أتفاجأ أكثر من مستوى هذا الشباب وكيف استطاع أن يتغير من نقيض إلى نقيض وأنه تخلى حتى عن لباسه فيما نحن في أوروبا توجد لدينا جمعيات أخلاقية تحارب تفسخ الشباب

الموقف الثاني : قال لي أحد الصحفيين العرب إن من يقرأ التاريخ العماني ويرى شباب عمان الآن يكاد لا يصدق أن ذلك التاريخ من هذا الشعب .!

أما الموقف الثالث فيحكيه مدير إحدى محطات تعبئة الوقود في السلطنة حيث قال إن قرار التعمين ألزمه أن يشغل 5 شباب عمانيين ولكنه عانى أشد المعاناة من غيابهم وتسيبهم في العمل فما كان منه إلا أن اجتمع بهم وطلب منهم أن يأتوه نهاية كل شهر ليستلموا رواتبهم فقط دون عمل وأحضر عنهم عمالة أسيوية، وعمله الآن على خير ما يرام

والموقف الأخير هو أن الآلاف من الشباب العاملين في القطاع الخاص قدموا استقالاتهم حتى يستفيدوا من ميزة ال150 ريالا المخصصة للباحثين عن العمل ، فيما ترك الكثير من الشباب الدراسة حتى يلتحقوا بالعمل في العسكرية ، وهذا مؤشر له دلالته ..!

” 4 ”

إن الدولة تجني وتحصد الآن ثمار ما زرعت خلال السنوات الماضية من أخطاء تجاه الشباب وهي مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى أن تعيد بناء وتأسيس الشباب من جديد ويجب أن تتظافر كل الجهود من البيت والمدرسة والمسجد والمجتمع والإعلام والأندية لأننا في خطر فالأمة التي تفقد أخلاقها وتنسلخ من هويتها أمة مهددة بالإنهيار والفناء عكس الأمة التي تتمسك بفضائل الأخلاق وتتمسك بهويتها الإسلامية والثقافية والتاريخية والحضارية

يقول د. محمد الحضيف في مقال جميل عن انهيار الأخلاق : لقد ظللنا لفترة طويلة نردد أننا نحن الأصفى عقيدة والأحسن أخلاقا والأكثر أمنا والأقل جريمة. كان كثير (منا) يساهمون – من حيث علموا أو لم يعلموا – بتضليل القيادات السياسية والفكرية بالتقليل من شأن ظواهر الانحراف التي تضرب في مجتمعنا، وبصياغة (صورة ذهنية) لمجتمعنا تضعه فوق الناس وفوق الأخطاء حتى كدنا أن نقول: نحن (مجتمع) الله المختار

إن خطورة (الانحدار الأخلاقي) تتعدى الجانب الأمني، فالشعور بعدم الأمان على الأعراض والمحارم سوف يدفع الناس إلى (الدفاع) عن أنفسهم، وهذا سوف يؤدي بالضرورة إلى انفلات أمني

إنني أتمنى تكوين هيئة وطنية عليا لعلاج أزمة الهوية والأخلاق، التي بدأت نذرها تصبحنا وتمسينا، إن الحل الأمني مطلوب لكنه لا يكفي.. إنها أزمة هوية ..

منشور 3 مايو 2011م في






















No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة