site meter

search

Google

result

Thursday, August 7, 2008

انتهاك حقوق الإنسان وأولمبياد بكين

زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
لا لتسييس أولمبياد بكين، هذه الصيحة تسمعها في الصين كثيرا ، ويمكن للواحد أن يستغرب لماذا ترديد هذه العبارة ؟ لكن من تابع الضجة الكبرى التي أثيرت حول مسيرة الشعلة الأولمبية حتما سيعرف أهمية هذه العبارة لقد تصادفت أحداث التبت مع مسيرة الشعلة الأولمبية التي أراد لها الصينيون أن تكون الأفضل والأطول لكن نداءات غربية عديدة نادت بمقاطعة الشعلة ومقاطعة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي تقام في بكين يوم الجمعة المقبل ، بحجة أن الصين لا تطبق معايير حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا بل وصل بالبعض أن يتهم الصين بالتدخل في شؤون دارفور وكأن الصين هي المحرك للصراعات القبلية في السودان
لقد تركزت الاتهامات ضد الصين في قضية التبت بأنها لا تعطي الحرية الدينية للشعب وهناك عدم المساواة بين القوميات وأن ذلك ضد مبدأ حقوق الإنسان لكن الحكومة الصينية تؤكد أن العنف الذي حصل في لاسا حاضرة التبت في 14 مارس الماضي من قبل الانفصاليين كان ضد حقوق الإنسان ، فلو أن الحكومة الصينية جلست مكتوفة الأيدي تجاه أعمال التحطيم والتخريب والسلب والحرق العمد فمن الذي كان يحمي حقوق الإنسان لدى الجماهير البريئة ؟! وهل معالجة الحكومة الصينية للحادثة وفقا للقانون يعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان ؟! لقد أشار( وو هونغ بوه ) مساعد وزير الخارجية الصينية إلى أن قضية التبت قضية مفتعلة من الغرب وأن أية دولة في العالم من حقها أن تطبق القانون على أي متمرد وهذا ما فعلته الصين أمام مجموعة ارتبطت بالغرب وتريد أن تثير القلاقل وتعرقل أولمبياد بكين، وقد تساءلت صحيفة الشعب اليومية الصينية في معرض ردها على انتقادات نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي للإجراءات الصينية ماذا فعلت الحكومة الأمريكية لقمع عصيان كبير وقع في لوس أنجلوس قبل 16 عاما ؟ لقد أرسلت عددا كبيرا من القوات المسلحة وقوات الشرطة لقمع العصيان حيث تم اعتقال أكثر من عشرة آلاف شخص كما ذكرت الصحيفة الصينية
لا أحد يشجع العنف ولا العنف المضاد ولكن الحقيقة المؤكدة هي أن الغرب وأمريكا بالذات يحاولون إيجاد أي منفذ لإيقاف الانطلاقة الصينية والنمو الأسرع في العالم فقضية التبت في جوهرها ليست مسألة حقوق الإنسان أو الدين أو القوميات إنما هي مسألة تهم سيادة الدولة الصينية وسلامة أراضيها ومسألة ترتبط بالمصالح الحيوية للصين ولا يوجد في العالم أبدا دولة تتغاضى عن إيذاء سيادتها أو تجلس متفرجة لا تكترث لتقسيم أراضيها ، وإذا كان هذا ربما يحدث عند بعض العرب ويسمحون بالتدخلات الأجنبية في شؤونهم فإن الأمم الحية لا تسمح بذلك أبدا ، وقد أعربت الصين مرارا عن موقفها من أن وحدة الدولة الصينية هي أعلى المباديء ولا مجال للمساومة في مسألة السيادة
ومن التعليقات الجميلة التي استمعت إليها وأنا في بكين من دبلوماسي عربي حيث قال ماذا يعني أن يموت عدة أشخاص في مواجهات بين الشرطة والمتمردين في دولة يبلغ عدد سكانها أكثر من مليار نسمة ؟ وماذا يمكننا أن نقول عن آلاف الموتى والقتلى والجوعى والمشردين في العراق وفلسطين وأفغانستان من جراء العدوان الأمريكي وهل أمريكا طبقت معايير حقوق الإنسان ؟!
وإذا كان تساؤل هذا الدبلوماسي العربي في محله فيحق لنا أن نتساءل وهو تساؤل بريء لماذا لم نسمع أبدا انتقادا غربيا واحدا على المجازر التي ترتكبها إسرائيل ضد الأبرياء الفلسطينيين منذ 60 عاما ؟ وأين هي منظمات حقوق الإنسان ؟ ولماذا دائما تركز على الدول التي لا ترضى عنها أمريكا وإذا رضيت عنها أمريكا تتجاهل هذه الحقوق ؟ إن هذه المنظمات تفتقد الشرعية عندما تركز على دول لأن أمريكا لها مواقف ضدها ولا تتكلم عن حقوق الإنسان الذي يقتل ويشرد من أرضه ووطنه ويضطهد في دينهوالتساؤل متواصل أليس سجن ومعتقل جوانتاناموا بكل ما فيه وما فيه جريمة كبرى ضد الإنسانية وضد حقوق الإنسان ؟ أليس أبو غريب وسجن كروبر في بغداد وما حدث فيهما من انتهاكات جريمة ضد الإنسانية ؟ ولكن هل من متكلم أو متحرك ؟
لقد رأيت بعض الصور عن انتهاكات حقوق وكرامة الإنسان في سجن أبو غريب لكني لم أكن أعلم أن الأمر كان بتلك الفظاعة إلا بعدما ما قرأت كتاب الصحفي الأمريكي الجريء سيمور هيرش بعنوان ( القيادة الأمريكية العمياء ) فما ارتكبته أمريكا من فظائع ضد الإنسانية هناك وفي جوانتانامو يجعل الولدان شيبا ، ولمن أراد أن يعرف المزيد فعليه بذلك الكتاب
2
في مستهل هذا العام أقامت وزارة الخارجية الأمريكية ضجة عندما أضافت سوريا إلى قائمة أسوأ منتهكي حقوق الإنسان بدلا من الصين ولكن لماذا سوريا ؟ لأن سوريا لم تخضع الخضوع التام حتى الآن وهي لها علاقات جيدة مع حماس وإيران وحزب الله وكان القصد من وراء ذلك عرقلة القمة العربية العشرين التي عقدت في دمشق ، وتتواصل الآن المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل وفي حالة رضوخ سوريا – وهو على المنظور القريب يبدو بعيدا لأن شرط إسرائيل هو قطع العلاقات مع إيران وحزب الله وحماس – إذا حصل ذلك وتم التوصل إلى اتفاق بين البلدين فإن أمريكا ستسمح للرئيس بشار الأسد أن يفعل ما يشاء وستسمح له أيضا أن يفعل في لبنان ما يشاء ولن تهتم أبدا بشيء اسمه حقوق الإنسان ، والأمثلة في العالم كثيرة
وما قلته عن سوريا ينطبق تماما على السودان ، فلو أن الرئيس عمر البشير لبى المطالب الأمريكية وسلم ملف النفط لأمريكا بدلا من الصين لأصبح زعيما وطنيا وليس رئيسا مطلوبا لمحكمة تديرها السياسة الأمريكية ، ولو كان الرئيس بوش وإدارته راضين عن البشير لما تجرأ شخص اسمه ( أوكامبو ) أن يوجه تهمة للرئيس البشير ، ثم لنا مثل في الأخ العقيد القذافي فبمجرد أن رضيت عنه أمريكا سقطت عنه كل التهم وأصبح مرحبا به في كل مكان وأصبح الكل يطلب وده، وعلى الشعب العربي أن ينتبه لصيحات حقوق الإنسان الخادعة ومغزاها وأسبابها ويجب عليه أن لا ينخدع بها
3
لقد قلت في مقال سابق إن الصين لها ما أصابت فيه ولها ما أخطأت فيه كأي تجربة إنسانية كبرى وإذا كنت قد انتقدت التدخل الأمريكي والغربي في شؤون الصين وما يهدفون إليه من وراء ذلك كإفشال استضافة الصين للعرس الرياضي العالمي فمن الأمانة أيضا أن أقول إن هناك انتقادات وجهت إلى الصين ضد حقوق الإنسان نتمنى من الصينيين أن يأخذوها بعين الاعتبار ومنها مثلا ما أثير حول حقوق المسلمين في إقليم سنكيانج الصيني
وقد نبهني إلى هذه النقطة أحد القراء الأعزاء تعليقا على مقال لي سابق تحدثت فيه عن حقوق الإنسان في الصين وأرسل لي عبر الإيميل العديد من المواقع التي تتحدث عن اضطهاد المسلمين الإيغور في سنكيانج المعروفة بتركستان الشرقية حيث لم تبد السلطات الصينية أية مرونة في مجال المحافظة على الهوية الثقافية لسكان الإقليم إذ تعرض أستاذ في علم التاريخ بجامعة سنكيانج للمضايقة والمساءلة والاضطهاد لأنه نشر كتابا عن الحضارة الإسلامية وعن ثقافة وتاريخ مسلمي سنكيانج ، ويشير تقرير نشرته صحيفة لوموند الفرنسية أن المسلمين يتعرضون في هذا الإقليم إلى مضايقات اقتصادية وغيرها من المضايقات وأن الحكومة الصينية طبقت سياسة التهجير إذ هجّرت إلى الإقليم صينيين من قومية الهان الذين كانوا لا يشكلون عام 1950 سوى 10 % من سكان سنكيانج إلا أنهم اليوم يزيدون على 60 % من سكان الإقليم ولا شك أن هذه الزيادة الهائلة في نسبة الصينيين الهان على حساب المسلمين في موطنهم هي ثمرة جهود صينية للسيطرة على أرض ذات قيمة استراتيجية عاليةوقد عقد في نهاية شهر إبريل الماضي المؤتمر العالمي للإيغور في العاصمة الألمانية بحضور زهاء 80 مندوبا من النشطين الإيغور المقيمين في منافي متعددة وذلك للتباحث حول أوضاع الإقليم ، ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن هذا المؤتمر يوم الاثنين 23/6/2008 أن السلطات الصينية دمرت مسجدا في سنكيانج رفض رفع لافتات تؤيد الدورة الأولمبية وهناك بعض الانتقادات عن تضييق الخناق على المسلمين قد تكون صادقة وقد تكون مغرضة ولكن نتمنى أن ينتبه إليها الصينيون وبالتالي لا يعطون الفرصة لمن يتربص بهم لأن الحفاظ على الهوية حق لأي إنسان في الوجود فهناك ملايين من المسلمين بالهوية في الصين ولا يعرفون كلمة ( لا إله إلا الله ) ، وأذكر أني اقترحت على أحد الإخوة المنتمين إلى جماعة الدعوة والتبليغ – وهي جماعة مقبولة لأنها تبتعد عن السياسة وعن التدخل في المذاهب – اقترحت بأن تخرج إلى الصين جماعة لها خبرة سابقة في مجال الدعوة ، حتى تعلّم الناس هناك أمور دينهم ، فإذا بجماعة تخرج وعلى رأسها الشيخ خليفة بن محمد اليافعي وهو أحد أركان الجماعة في عمان وشاء المولى عز وجل أن يتوفاه هناك الأسبوع الماضي ويدفن في الصين ، معيدا رحمه الله سيرة الصحابة الأولين الذين ولدوا في مكة المكرمة وهاجروا إلى المدينة ثم هاجروا إلى مشارق الأرض ومغاربها لنشر الدين الإسلامي ، بعد أن جاب الشيخ الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وهو مهموم بأمر الدعوة
أترك ذلك الاستطراد وأعود إلى صلب الموضوع ، فلقد كتب الدكتور بشير موسى نافع وهو باحث في التاريخ الحديث إنه يجدر بدول العالم الإسلامي التي تجمعها بالصين علاقات وثيقة أن تلعب دورا ما في هذا المجال فمن مصلحة الصين ومصلحة المسلمين أن يتمتع المسلمون الإيغور بحقوق مواطنة كاملة وأن يسمح لهم بالمحافظة على خصوصياتهم والنهوض بميراثهم الثقافي والديني ، وأن يتجنب الصينيون والمسلمون تفاقم أو انفجار ملف سيوقع أذى كبيرا بالعلاقات التاريخية بين الصين والعالم الإسلامي الكبير
4
وتستضيف الصين العالم وتحتضنه على أرضها عندما تنطلق الدورة الأولمبية التاسعة والعشرون ولقد تعهدت الصين منذ أن تقدمت لاستضافة هذا الحدث الرياضي الأهم في العالم بأن تجعل بكين 2008 حلما يبقى في ذاكرة الناس وليس الشعار الذي اختير لهذه الدورة ( عالم واحد .. حلم واحد ) إلا تجسيدا لعزيمة الصينيين لجعل الحلم الأولمبي الصيني واقعا لذا لا يجب تسييس الرياضة ، ويجب أن تبقى الرياضة مجالا لتقارب الشعوب وتفاهمها وتقاربها .
نشرت في جريدة الشبيبة العمانية في 5 أغسطس 2008م

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة