site meter

search

Google

result

Monday, November 21, 2011

برنار هنري ليفي ونظرية المؤامرة

زاهر بن حارث المحروقي

انتشرت رسالة عبر البريد الالكتروني بعنوان القائد المخطط للثورات العربية وهي عن الصحفي الفرنسي الجزائري المولد برنار هنري ليفي وتوضح بالصور اجتماعاته مع قادة الثوار في ليبيا وصورة أخرى وهو يلقي كلمة في جمع غفير من الناس في بنغازي قبل سقوط القذافي وتشير الرسالة أن ليفي هو المخطط لهذه الثورة

وحيال هذه الرسالة انقسم الناس إلى فريقين، الأول يرى أن ليفي ليس إلا صحفيا ناجحا استطاع أن يكون في كل بؤر التوترات في العالم إبتداء من بنجلاديش وقت حرب انفصالها من باكستان عام 1971إلى وصوله إلى بنغازي مع بداية انطلاقة الثورة الليبية وأن العرب المسكونين بعقدة نظرية المؤامرة يعلّقون فشلهم في كل شيء على المؤامرة باعتبارها الشماعة التي نعلق عليها أخطاءنا وكسلنا وعجزنا وفشلنا، فيما رأى الفريق الثاني أن المؤامرة ضد العرب والمسلمين حقيقة لا خيال، ولهم من الأدلة والأمثلة ما يدحض رأي الفريق الأول، وإذا سألنا أي الفريقين على صواب فالرد هو أن كليهما محق فيما ذهب إليه إذ أن المؤامرات موجودة ضد العرب والمسلمين بالمقابل فإن هذه المؤامرات تجد الساحة الخصبة لها في الوطن العربي والإسلامي بمعنى أن الحكومات العربية تعطي المبرر لنجاح هذه المؤامرات لغياب العدالة الاجتماعية ولغياب الحريات مع وجود حكومات ديكتاتورية همها الأوحد التشبث بالسلطة وسرقة مقدرات الشعوب، ولانتشار الفقر والجوع والمرض والتخلف رغم المليارات التي تستفيد منها الدول الغربية ويتم تداولها هناك وإذا حصلت هزة بسيطة يتم تجميدها كما حدث مع ليبيا بعد تجميد أرصدتها التي بلغت أكثر من 160 مليار دولار على أقل تقدير وهو مبلغ خيالي باستطاعته أن يجعل من كل مواطن ليبي مليونيرا، وهناك سبب آخر مهم يجعل من الناس تؤمن بنظرية المؤامرة وهو غياب الحقائق والشفافية مما يجعل الشائعات تنتشر في المجتمعات العربية

ولكن هل برنار هنري ليفي بريئا من تهمة التآمر ضد ليبيا أو سوريا أو ضد كل بلاد العرب؟

لا يمكن أن يكون هذا الرجل بريئا، فصوره التي انتشرت وهو يلقي كلمة في بنغازي وسط جمهور كبير كأنه قائد الثورة وكذلك لقاؤه مع مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي، وهو يطّلع على الخرائط في ليبيا مع ثوار حلف الناتو، كل ذلك يؤكد أن للرجل دورا أساسيا في تحريك الثورة في ليبيا وهو الذي أعلن أنه نقل رسالة من ثوار ليبيا إلى قادة إسرائيل يطمئنهم فيها أن الثوار سيقيمون علاقات رسمية مع إسرائيل حال وصولهم إلى السلطة وما لبث أن تراجع عن تلك التصريحات ولكنه أكد في لقاء مصور تلفزيونيا في جامعة تل أبيب وبجانبه تسيبي ليفني قائدة المعارضة في إسرائيل أنه هو الذي طلب من الرئيس الفرنسي التدخل العسكري في ليبيا لصالح من يسموا بالثوار – يمكن متابعة اللقاء على اليوتيوب وهو متاح للجميع – ، كما أنه هو الذي رتب لقاء في قصر الألزيه بين الرئيس الفرنسي ومبعوثين عن المجلس الانتقالي الليبي في الرابع من مارس الماضي بعد كلمته في بنغازي والتي لا نعلم ماذا قال فيها ولم تتناولها الفضائيات العربية التي ألغت برامجها لتغطية كل شاردة وواردة في الثورات العربية كلها

وقد نقلت وكالة فرانس برس يوم 21/08/2011 عن ليفي أن "الانتفاضة" التي تجري في طرابلس"تم الإعداد لها بدقة" منذ شهور وأنه سيجري في وقت قصير التخلص من نظام القذافي، وهو قول لا يحتاج إلى كثير تأويلات ومنقول عبر وكالة أنباء عالمية معتبرة وهو ما تم بالفعل، ثم إن كل ما حدث بعد ذلك يصب في الاتجاه نفسه وهو ضلوع الغرب فيما صار يعرف بالربيع العربي

ويوم الأربعاء الماضي أصدر ليفي كتاباً باللغة الفرنسية بعنوان"الحرب بدون رغبة" كشف فيه بعض أسرار الحرب على ليبيا وتطوراتها ، ويروي في كتابه أن فرنسا قدمت كميات كبيرة من الأسلحة الى كتائب ثوار الزنتان في جبل نفوسة، وأنه التقى مصطفى عبد الجليل بعد ساعات من تشكيل المجلس، ورتب له زيارة الى باريس للقاء الرئيس ساركوزي على رأس وفد ضم محمود جبريل وآخرين، كما رتب زيارة أخرى إلى باريس للواء عبد الفتاح يونس قائد قوات المجلس ومجموعة من الضباط للتعرف على احتياجاتهم العسكرية التي جرت تلبيتها لاحقاً

لقد رافق ليفي كلا من الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني في زيارتهما لليبيا وحرص كل الحرص على أن يظهر في كل الصور التي تم التقاطها حتى يغيظنا كما يقول عبد الباري عطوان، وهي مرافقة لا يمكن أن نغفل مغزاها

ولكن هل انتهى دور هنري ليفي بقتل القذافي؟ يبدو أن الدور الحقيقي بدأ الآن فقد انتقد ليفي بشدة فى مقال له بمجلة 'لوبوان' الفرنسية، إعلان مصطفى عبد الجليل اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع في ليبيا، متسائلاً كيف يجب النظر إلى هذا الحديث عن الشريعة؟ هل تم دعم ثوار بنغازي للوصول إلى بناء دولة تمنع الطلاق وتعيد تعدد الزيجات، وهل دعم الغرب ليبيا لتطبّق الشريعة؟ ملوحا بخيار تدخل عسكري دون أن يحدده في حالة ما إذا اتجهت الأمور نحو صدام بين الإسلاميين والعلمانيين في ليبيا بشأن طبيعة نظام الحكم.

هذا عن ليبيا أما عن سوريا فقد نشر ليفي بيانا في صحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 25 مايو الماضي سماه مبادرة لإنقاذ سوريا ودعا المعارضة السورية إلى اجتماع يعقد في فرنسا إستعدادا للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، لكن بعض المثقفين السوريين رغم أنهم معارضون لنظام الأسد نددّوا بالمبادرة وقالوا إن ليفي معروف بمعاداته للشعب الفلسطيني وقضيته ومساند للاستيطان في الأراضي المحتلة وكذلك الجولان السوري، وأن هذا النداء يعتبر محاولة للاساءة للحركة الديمقراطية السورية ومحاولة لجعلها تنحرف عن مسارها، وطالب المثقفون السوريون وعلى رأسهم صبحي حديدي الذي يكتب مقالا أسبوعيا ثابتا في القدس العربي ضد النظام السوري، طالب من السوريين والعرب والفرنسيين ممن يودون مساندة شعب سوريا عدم مساندة مبادرة ليفي، وهي خطوة تحسب لهم لأن كثيرا من العرب في سبيل التخلص من أنظمتهم القمعية تحالفوا حتى مع الشيطان في سبيل الوصول إلى هدفهم بأي ثمن حتى وإن كان الثمن غاليا كاحتلال العراق وليبيا وسوريا ثم اكتشفوا فيما بعد أن ليس لهم من الأمرشيئا

إن برنار ليفي الذي يقدم نفسه أنه مؤيد لحريات الشعوب العربية لم يزر غزة حتى الآن ليقف مع الشعب الفلسطيني ولم يتعاطف أبدا مع عشرات الآلاف من ضحايا إسرائيل بل الأمرّ من ذلك نجده يمتدح خلال افتتاح مؤتمر "الديموقراطية وتحدياتها"في تل أبيب في شهر مايو من العام الماضي الجيش الإسرائيلي ويعتبره أكثر جيش ديموقراطي في العالم، وقال بالحرف حسب صحيفة هاآرتس الإسرائيلية بتاريخ 30/5/2010 "لم أر في حياتي جيشاً ديموقراطياً كهذا يطرح على نفسه هذا الكم من الأسئلة الأخلاقية، فثمة شيء حيوي بشكل غير اعتيادي في الديموقراطية الإسرائيلية"

إن هذا الإنسان الذي يمتدحه بعض ممن يسمون بالثوار يرى أن النزعة الإسلامية تهدد الغرب كما هددتها الفاشية يوماً ما وأن التدخل في العالم الثالث بدواع إنسانية– كما يراها هو - ليس "مؤامرة إمبريالية" بل أمر مشروع تماما، وهو من المؤمنين بـ"الحلم الصهيوني العظيم"، وهوما يتعارض مع أحلام الشعوب العربية، هذا غير الكثير من مواقفه ضد العروبة والإسلام ويحق لنا أن نسأل الآن هل هو صحفي ناجح أو متآمر كبير؟! لكن في كل الأحوال يجب أن نعترف أن العيب فينا وليس فيه، ثم علينا أن نعترف أن للثورات العربية أسبابا داخلية كثيرة مما يعطي الفرصة لمثل هؤلاء بالظهور

منشورة في جريدة الرؤية العمانية في 15 نوفمبر 2011م

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة